الإنسانية أين نحن منها ؟؟ .. بقلم وسام محمد طيارة
الانسانية في عمومها تجمع مابين أسرار الحياة وعلاقات البشر، تنتهج جوهرها من القلوب وحيثياتها من العقول، اذ تعمل على إحاطة البشر بسوارٍ يدحر الظلم والتميز والعذاب، وترفض مقايضة الروح والجسد بمصالح أو جواهرَ وكنوز، وتهيء البيئة المتنوعة لاحتواء جميع البشر دون عطلٍ أوضرر، تحارب الانقسام بشتى أنواعه ولهجاته وعوامله، تؤمن بتعدد المبادئ والقيم والأفكار..
وبالطبع فإن البشر هم المعنيون الأوحد بها، بتفاصيلها وأحداثها ومحتواها كم بآثارها ان كان بسلبها وإيجابها بحلوها ومرها، ولا نختلف اليوم على واقعنا البشري الآليم الذي يبدو أنه نئى بنفسه عنها وكأنها عدوه الأول، وقطعَ بأحشائها منهجاً يرسم عروقاً تتناسب مع أفكاره ومعتقداته وإنتمائه السياسِي والحزبِي والإجتماعِي وحتى التجاري، وبوجه الخصوص في عالمنا العربي وحتى الإسلامي، بتعدد أديانه وطوائفه ومذاهبه بحيثياتها ومحتواها..
فالانسانية حالياً باتت دائرة فراغية تتلاعب مع نفسها داخل نفسها، والجميع أصابه الفضول لدخولها، فحاولوا لكنهم إصتدموا بشروطٍ بسيطة السهولة والمنطقية، لم يقنعوا بها ولم يتقبلوها لإذعانهم وتيقنهم أنها لا تتناسب مع حاضر المرحلة وأحلام المسألة التي يعلم جميعنا أنها عقيمة المعادلة ظالمةٌ لا تحتمل مجامله، اذ أنها تحتوى على دمار المعالم ونزيف الدماء ونشر الآلم وتطهير الاختلاف..
تتبنى الإنسانية على نحو متزايد إدراكاً شاملاً لجنسنا البشري، كوكبنا، وحياتنا. لإبقاء وما يتعلق بموقف الحياة البشرية للأفراد، فإن الإنسانية والأخلاقية تعريف الإنسانية بشموليتها واسعة الطيف والمعنى، دائرتها تسلك مسارها ضمن الإنسان العاقل لتأخذ بعين الاعتبار صلاحيات والتزامات البشر المتعددة..
فاللإنسانيين دوراً دفاعياً أساسياً ومحورياً تجاه كوكب الحياة ، وهذا الموقف يحملها مسؤولية متناسبة معه تفوق تلك المترتبة على الإنسانية الفردية، تتمثل في التلوث النفسي والقوة العسكرية والنزعة القومية والتمييز الجنسي والعنصري والفقر والفساد والحروب والتعذيب والاحتكار بحقوق المواطن، بأنها قضايا سلوك إنساني محددة ومستمرة، تتعارض مع مصالح جنسنا البشري. وتؤكد أن الحكم الإنساني يجب أن يكون موحداً ذا شمولية بحتة بحيث لا يستبعد أي شخص منها لــ سـببٍ في معتقداته المباشرة أو دينه الشخصي أو موقفه السياسي أو الاجتماعي..
حين تتفجر انسانيتنا لا نتذكر من تاريخنا علاقات شفافة تربطنا بالآخر ، بعد أن قاربت العلاقات الانسانية أن تكون مجرد خيوط واهية تتعلق بسراب الوهم ، فعندما ينبع الحب من قلب مخلص يبقى راسخاً في الروح على الرغم من كل التحديات ، لكن ذلك الرسوخ في حاجة لمن يحتويه بصبر ..
الغريب في هذه الحياة ان يتبادل الناس العواطف النبيلة الجياشة فيصبح الصديق هو الاقرب والحبيب هو الاول، وبين عشية وضحاها يغدو ذاك المحب وهماً ويصبح الصديق عدواً والحبيب غريباً حتى في شعوره، ترى لم تخبو علاقاتنا وتموت مشاعرنا وتتلبد احاسيس بعضنا ، وكأنه لم يعرف الحب يوماً، فتقتله بوهم الأنـا والنرجسية وحب التفرد والظهور..
وفي زمن قلت فيه الإنسانية والإنسانيون ، تبدلت فيه الرحمة والرأفة الإنسانية بالرصاص والسموم والدمار ، أصبحت كلمة المعروف أصعب من طلقة رصاص , لم نعد نحتمل لفت نظرنا إلى ما يجعلنا أفضل، لـم نعد نهتم بسلوكياتنا وأثرها على من نتعامل معهم، أصبحت ألسنتنا غليظة لم تعد تعرف كلام الطيبة والتسامح وندُرت ابتسامة الود والمحبة وكأنها لم تخلق يوماً في الحياة، لم تعد قلوبنا رقراقةً كما كانت في سابق العهد، أُزيلت عنها شفافيتها وذهب نقاؤها، واحتفظت بسوادها الهالك الذي بات يفتتها يوماً بعد يوم، قـلوبنا انتزعت رحمتها وأظلت بطريقها لتشكل خارطةً للـحقد والقسوة..
أصبحنا نرتع فى غابةٍ الكل فيها يتمنى في نفسه أن يكون الأسد، يفرض بها هيمنته يكسر شوكة غريمه لا يترك مجالاً للقضاء عليه إلا واتخده سبيلاً، نمسي على تلفيق التهم وصياغتها المريرة ، صُبحُها مزيجٌ من الأكاذيب وهتك الأعراض، بلا غطاءٍ يحميها بلا رادعٍ يُقصيها عن نواياها الدنيئة، فقدت العقول سلطانها، وبات السلطان فيها مخططٌاً للتصفية والقتل والتنكيل من ضعفاء النفوس على ضعفاء القدر..
زالت نحن الجماعة وتبقت أنا النرجسية المتفردة، أنا وحدي لايهمنى الآخرون لايفزعنى أن يقتلوا أو أن تمثل بأجسادهم، أو أن يصبح الأمـان مجرد ذكـرى عابرة فى حياة الآحياء، أريد فقط أن يدركوا أن حلمهم القادم ينحصر في شيءٍ واحد هو “تحقيق الأمان”، لم يعد الهدف السعى لرغيف الخبز ولا لستر الابدان، او للعلم والمعرفة ومواكبة التطور، بل أصبح الأمـان والشعور به هاجس يباغت إنسانيتنا وأحلامنا المنكسرة، ومقايضة الأمان بالحرية معناه أن كل منهما سراب يستحيل تحقيقه!!!..
لم نعد نسمع الضحكات وأصوات لعب الأطفال، لم نعد نرى التفاؤول والامل، فصوت الرصاص والقتل في فسحة الظلام والظلم طغى وتجبر عليها ، كمم أفواههم وعقد على أطرافهم القيود، ضاعت أحلام الطفولة السعيدة والطائرات الورقية ، حماماتٌ من الدماء واشلاء من الجثث، نطالع مشهدها لتعمى بصائرنا وتئِنَ نفوسنا، نصم الآذانَ خوفاً من سماع الأنين..
ضاعت الإنسانية مات الضمير تآكـلَ الوعى بالوجود، لــ تـصبح الشوارع والحارات والأرصفة مدافن شرعية لا مفر لهم منها، عندما نشاهد القنوات الفضائية بساعات يومنا الحزين البائس، وكأن ما يحدث لايهمنا فى شىء وليس لنا به صلة كأنهم ليسوا من أبناء جلدتنا وديانتنا، لا تربطنا بهم رابطة نسبٍ أو دين أو عروبة أو قوميةٍ جغرافيةٍ تاريخية..
أصبحنا نطالع أخبارهم وكأنها تحدث فى عالمٍ مريخيٍ غريب، لم تعد تؤثر فينا أو تفزع صغارنا الأبرياء في مقتبل العمر،حتى أن صغارنا إعتادت أبصارهم على ذلك ، بعد أن ماتت بهم الرحمة والشفقة الصانعة لبرائتهم، فما سوف نأمل بأن نجنى فى شبابهم المستهلك..
أطفال وسوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان وفلسطين والصومال وباكستان، أطفالٌ ماتت براءتهم وانتهكت أحلامهم وحرياتهم، بعد أن أصبح الموت والتشرد مأوى لهم، اللاجئون منهم يعيشون فى ذراتٍ من نتراتِ أحـلامِ واقعٍ مرير بات ينهش بأجسادهم ويغزو حقول عقولهم المنهكةِ من العذاب، ومنهم من تخلوا عن منازلهم وأوطانهم ومدارسهم وملاعبهم وأقرانهم وأنسابهم وأمالهم، هربت أحلامهم البريئة وطفولتهم السعيدة الى الـجحيم، ترى هل من يـقتل ويـذبح بـدمٍ بارد منهم يومياً أقربـاءً لنا أو معارف أو مواطنين، ولمَ تكممت أفواهنا لمجرد تعبيرنا عن أراءٍ نراها هي الـحق في قلب الصواب،هل تعنى الديمقراطية فرض الرأى الأوحد وإكراه الآخرين لتقبله أم تعنى المشاركة الفعالة الإيجابية والحوار البناء الهادف، فما زال أبناء وطنى يتسارعون في عبثهم للأسف، بـفئةٍ لأجل تسير مصالح شخصيةٍ خاصة، وفـئةٍ يبحثون عن مناصبٍ وإمتيازات، وفـئةٍ رأوا أنه بالأعتراض الدائم على كل شىء هو الحل الأمثل للنهضة، لكن دائماً ما أتساءل:؟؟!! أين هم من يبحثون عن دور ٍفعالٍ حياديٍ عن كل ماذكرته ليقوموا به لإنـقاذ ما يمكن إنقاذه من بواقي وطـن..
يبدوا أن الأمر لا يتوقف على مجرد الاعتراض وممارسة العنف والإرهاب …فلم يعد الإرهاب بالسلاح فقط …أصبح الإرهاب بالأحكام الرادعة التى تتخطى حدود المنطق والمقبول شكلاً بالقياس على قضايا الفساد..
فإذا اردت أن تطاع فأمر بما يستطاع، ولا ترهق نفوساً تبحث عن وطن آمن وحرية التعبير عن معتقدات وأفكار وأحلام مشروعة ( بدون فوضى ) وطال الأمد للحصول عليها، فالقدرة على استيعاب كل الأطراف المتنازعة والمتناحرة ومحاولة التقريب بينهم والعمل على أن يكون هناك هدف قومى واضح ومحدد نعمل جميعا لإنجاحه، أراه هو المطلب الرئيسى فى الوقت الراهن لرأب الصدع والفتن، كما لا تقايضنى على ما لا أستطيعه حتى لا أطالبك بما لا تقدرعليه فكل منا طالب ومطالب.
سيريان تلغراف | وسام محمد طيارة
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)