تعيش تركيا في الوقت الراهن “أزمة خيارات” كبرى، إذ تتعرض قياداتها إلى ضغوط داخلية وخارجية، تجعلها شبه مشلولة عن اتخاذ خيار ما تطلبه منها قوى دولية وتحثها عيله دول إقليمية، وتمنعها عنه أوضاعها الداخلية.
فالمعارضة التركية بدأت تكسب، من خلال أداء الحكومة في الملف السوري، الكثير من الشعبية والصدقية في الشارع التركي، الأمر الذي وضع قيادات حزب “العدالة والتنمية” أمام خيارات صعبة، وجعلهم يعيدون النظر في الكثير من الحسابات، وقد أظهرت التظاهرة التي نظمتها المعارضة في جنوب البلاد مدى قوتها، خصوصاً في هذه المنطقة التي يُفترض بها أن تكون “الحاضنة” للمعارضة السورية، بسبب الطبيعة الديمغرافية للمنطقة التي سلختها اتفاقية “سايكس بيكو” عن سورية.
غير أن ما لم يكن بحسبان هؤلاء، أن أهالي المنطقة الذين تذوقوا “الديمقراطية” على الطريقة التركية، كانوا أكثر تحفظاً في استقبالهم المعارضين، وأكثر حساسية لتجاوزاتهم، فقد شارك عشرات الالآف منهم في تظاهرة تنديد بالتدخل الأميركي في سورية، معارضين سياسة حكومتهم في هذا الملف، ما اضطر الشرطة التركية إلى استعمال الغاز المسيل للدموع، ونفوذها الإعلامي لطمس حجم التظاهرة.
غير أن النتيجة الأولية لهذه التظاهرة كانت قراراً تركياً بإجلاء المعارضين المنتشرين في أنطاكية وجوارها إلى “العمق العثماني”، لإبعادهم عن الأهالي المستائين، فتم إبلاغ المعارضين المقيمين في شقق أنطاكية بضرورة الجلاء عنها، كما تم التشدد في مسألة الظهور المسلح لهؤلاء تحت ذريعة “الحماية الشخصية” بالتأكيد على أن الشرطة التركية وحدها المخوّلة حمايتهم.
وقد شكلت ظاهرة انتشار السلاح حافزاً لبعض الأهالي الأتراك لاقتناء السلاح دفاعاً عن أنفسهم، بالإضافة إلى مخاوف هؤلاء من التزايد الكبير في عدد الوافدين “الجهاديين”، الذين يأتون إلى مطارات المنطقة بلباس شبه عسكري، ومعدات “كشفية” تمر مرور الكرام عبر الأمن التركي المتشدد.
وفي المقابل، تتعرض أنقرة لضغوط أميركية – خليجية لزيادة حجم المساعدات العسكرية للمعارضين السوريين والمقاتلين العرب، وقد نقلت صحيفة تركية بداية الأسبوع عن مصادر تركية قريبة من “الإسرائيليين”، وجود مخطط أميركي لهجمات تشن على سورية يراد من أنقرة قيادتها الشهر المقبل، مشيرة إلى أن الهدف الآخر من زيادة زيارات المسؤولين الأميركيين إلى تركيا هو تقديم الدعم لحكومة حزب العدالة والتنمية، لإنقاذها من الموقف الحرج الذي وقعت فيه أمام الرأي العام التركي والعالمي، على إثر عدم حصولها على أي دعم بالشأن السوري، وأدى هذا السبب إلى انخفاض شعبية “حزب العدالة والتنمية” الحاكم بنسبة 8 في المئة”.
وتقول المعلومات “إن الأمير سلمان بن سلطان بن عبد العزيز يقيم في تركيا بشكل شبه تام، كممثل شخصي لأخيه بندر بن سلطان، الذي يقود الاستخبارات السعودية”، وتقول: “إن الحضور الكبير لسلمان، الذي عمل مطولاً إلى جانب أخيه في سفارة واشنطن والاستخبارات، يتركز على الجانب العسكري؛ باعتباره خبيراً عسكرياً”، وأوضحت المعلومات أن الأخير يقود غرفة العمليات السعودية التي تعمل على تنظيم دخول المقاتلين الأجانب إلى سورية، وتعزيز وجودهم في المناطق الحدودية القريبة من إدلب تحديداً.
وبين الضغوط الخارجية والتمنيات الخليجية، والمخاوف المحلية، تبدو حكومة “العدالة والتنمية” في مأزق حقيقي، فما هو الاتجاه الذي ستسلكه؟
سيريان تلغراف | الثبات