بلدنا اليوم

سورية .. الاستحواذ على السلطة من قبل حزب البعث واحتكار القرار السياسي

ماريا سعادة : لم يخرج الحزب عن النمط القديم ولم يبتكر آليات جديدة تكمل الدور النقدي لرئيس الجمهورية

إن أحد أهم أسباب البيئة الحاضنة للأزمة في سورية، هو تراجع علاقة الدولة بالمجتمع، حيث أصبحت “علاقة ندية غير ودية”، وكان لاستمرارية الاستحواذ على السلطة من قبل حزب البعث واحتكار القرار السياسي دور كبير في ذلك، بغياب المنافسة من الأحزاب الأخرى التي كانت في معظمها باحثة عن دور مشارك في المسار السياسي أكثر منه تصويبياً لا يعترض مراكز القرار، وأيضاً في غياب حرية التعبير التي تهدف إلى تصويب الخطأ، ما أدى إلى اهتراء مؤسسات الدولة نتيجة الكسل في تطوير آليات العمل في غياب المنافسة التحريضية واستمرار العمل بذات الذهنية التي كان يجب أن تتطور تماشياً مع متطلبات المجتمع المتغيرة مع المسار التاريخي، بالإضافة إلى الرخاء السلطوي الذي لم يعد يضع في أولوياته مطالب المواطن السوري وتحسين مستواه المعيشي.

ماريا-سعادة

كما أن هذا التفرد في السلطة، جعل حزب البعث جسر وصول إلى كل صاحب مصلحة للعبور إلى مكانة أو منصب سياسي أو إداري، ما سمح، وعبر عامل الزمن، بوجود الانتهازيين و الوصوليين في جسم الحزب، الذي اعتمد الكم وليس النوع، بعدما كان يحمل خيرة أصحاب الفكر والأيديولوجيا القومية، وصدّر خيرة رجالات السياسة في جيله الأول منذ نشأته، وأسس الدعامات لسورية القومية العربية والنظام العلماني، الذي فصل الدين عن الدولة، واستطاع أن يمتد ليجمع الدول العربية على قضية واحدة.   كما لا ينسى التاريخ ما قام به الرئيس الراحل حافظ الأسد من بناء دور تاريخي دولي لسورية على الساحة العالمية، ومن بناء الدولة بمفهومها الواسع.

إن مجمل هذه الأسباب، بالإضافة إلى سياسة الحزب الأبوية التلقينية، قد أظهرت اليوم هوة كبيرة في المجتمع السوري بين الأجيال الثلاثة في سورية؛ الجيل الأكبر الذي عاصر تاريخ سورية وبنى القيم و المفاهيم التي ورثناها، وكان صاحب قضية، ولم يستفد من خبرته التراكمية بالشكل الأمثل؛ فلم يأخذ دوراً كافياً، و بين جيل الوسط الذي عاش رخاء سياسياً استحوذ بعضه على السلطة والمال، وشجع على ثقافة المحسوبيات وليس الكفاءات، و بين الجيل الحديث الذي عاصر تكنولوجيا جديدة ولديه الآمال والطموحات، و يريد إثبات ذاته في بيئة استشرى فيها الفساد الإداري واحتكار المناصب.

كما أظهرت هوة بين ثلاث شرائح من المجتمع؛ بين الباحثة عن التغيير نحو سورية لجميع السوريين الوطنيين، وبين من يريد الإبقاء على الوضع الراهن ضماناً لمصالحه، وبين شريحة تريد فقط العيش الكريم. و هذا حق علينا لجميع السوريين.

كل هذه العوامل خلقت بيئة حاضنة للأزمة، وتعطشاً إلى ثقافة أخرى تتناسب مع تطور متطلبات المجتمع الحالية على المستوى المحلي أو العالمي والتي نمت بشكل أكبر من أن تواكبها الإمكانات الموجودة في مؤسسات الدولة والذهنية التقليدية التي أطرت مساحة المبادرات والإحساس بالمسؤولية الوطنية، ومازالت تعمل على آلية التلقين وليس التحفيز وقائمة على التفرد بالقرار وليس التشاركية، علماً بأن الرئيس الأسد الذي آمن بالتطوير والتغيير، لطالما حث قيادة الحزب و أصحاب المسؤولية في الدولة على إيجاد آليات جديدة والبحث عن المصلحة الوطنية والحد من الفساد، و ركز على مبدأ التشاركية وآلية العمل الجماعي التي يجب أن تعتمد في مضمونها على سياسة الاحتضان واحترام الآخر.

ولكن عدم قدرة الحزب على الخروج من النمط القديم، كما هي الأحزاب الأخرى أيضاً، بابتكار آليات جديدة تكمل دور الرئيس النقدي وعقله الباحث عن التطوير، لم تساعده على إثبات ذاته و قدراته خلال الأزمة في عملية الاحتضان لجميع فئات المجتمع السوري الوطنية، بعد أن كان مسؤولاً عن قيادتهم عشرات السنوات، و في إعطاء هوامش كبيرة لمبادراتهم مشاركاً لهم في حل الأزمة، بدل محاولة إقصاء الآخر والتفرد في اقتراح الحلول وآليات تطبيقها، لا سيما وأنه اليوم لم يعد قائداً للدولة والمجتمع، بعد إلغاء المادة الثامنة من الدستور.

هذا ما شاهدناه في استمرارية وجود فروع الأحزاب في كل مؤسسات الدولة ودورها الرئيسي في القرارات المتخذة، كما حضر رؤساء فروع الأحزاب في هيكلية تنفيذ مبادرة الحوار التي أطلقها السيد الرئيس في المحافظات، والتي كلف فيها الحكومة، كما أن حضور الحزب على رأس السلطات الثلاث السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وبحكم أنه مازال هو حزب الأكثرية الممثلة في البرلمان، فهو لم يترك مساحته في استحواذ القرار وفي إدارة الأمور، كما لم يترك حيزاً لباقي الأحزاب والمستقلين ليكون هناك تشاركية في القرار السياسي وفي إدارة الأزمة بشكل فعلي، وهذا لن يتم ما لم تعطَ مساحات كبيرة لباقي الأحزاب السياسية الوطنية الفاعلة، كما لدور المجتمع الفاعل والمدني وغير الممثل بالأحزاب السياسية، ليكون أيضاً حاضراً في صنع القرار .

لاسيما وأن مجتمعنا اليوم مازال ناشئاً في السياسة، ولم تكن لديه أية تراكمات سياسية؛ فلا تستطيع الأحزاب الجديدة وحدها، والتي لا تمتلك أي امتهان سياسي تاريخي، أن تكون حاضرة على الساحة السياسية دون الكفاءات الفردية القادرة و أصحاب المشاريع الوطنية، التي أثبتت فاعليتها خلال الأزمة، وهي ممثلة بالمجتمع المدني الفاعل والمستقلين، وقد يشكلون اليوم الغالبية في سورية.

أرجو ان تعذروني على صراحتي في التوصيف، وفي الإشارة الى دور حزب البعث، الذي لطالما تمنيت شخصياً أن يكون أكثر فاعلية في الأزمة، وأن يكون سباقاً إلى ابتكار آليات لحل الأزمة وحاضناً لكل فئات المجتمع، حتى لا يبقى في أي موقع اتهام أو انتقاص من إمكاناته، لاسيما وأنه مازال يحمل في هيكلياته كفاءات عالية و رجالات سياسة صاحبة خبرة وحنكة سياسية من بين باقي الأحزاب، والبلد بحاجة إلى حضورهم ووجودهم، ولكن في مساحة من التحرك والتحرر من القرار التقليدي النمطي، ومن الإطار الذي وضع فيه.

سيريان تلغراف | ريم فرج – بلدنا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock