مقالات وآراء

مرحلة جديدة في تطورات الوضع السوري

ستبدأ في أواسط كانون الثاني / يناير 2012 مرحلة جديدة في تطورات الوضع السوري، ففي هذا الوقت بالذات يفترض بمراقبي جامعة الدول العربية أن يقدموا تقريرهم عن نتائج مهمتهم الحالية. نشير بدايةً إلى أن مواقف المعارضة السورية من مهمة المراقبين ليس موحدة. واذا استبعدنا التصريحات الحادة التي تصدر عن بعض قادة المعارضة، كدعوتهم المراقبين “لوقف هذه المسرحية والعودة إلى بلدانهم”، نجد أن السبب الأساسي لهذه المواقف هو عدم الثقة بموضوعية أعضاء اللجنة. ومن هنا أتى التلميح إلى “بعثية” بعض أعضائها، واتهامهم بعدم التوجه لزيارة المناطق الساخنة، بالإضافة إلى مراقبتهم مراقبة لصيقة من قبل الأمن السوري. وجرى الحديث عن نقل معتقلين سياسيين إلى سفن في عرض البحر، لإخفائهم عن أعين المراقبين. كما قام مجهولون بإطلاق الرصاص على أعضاء اللجنة أثناء وجودهم في مدينة حماة. كل ذلك دليل على أن مهمة المراقبين لن تكون سهلة، ولكن العبرة في النتائج التي سيتوصلون اليها، فبناء عليها ستتحدد اتجاهات موقف كل من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والبلدان العربية الملكية.

ومن خلال حالة “الهستيريا” عند المعارضين يبدو أنهم لا يتوقعون نتيجة مقبولة تماما بالنسبة لهم. ويبدو أيضا أن بعثة جامعة الدول العربية لن تتخذ ، فيما يتعلق بالملف السوري، موقفاً محدداً كالذي اتخذته في الشأن الليبي. وهذا يعني أن النتائج التي سيتوصلون إليها لن تسمح باتخاذ “قرارات صارمة” تجاه دمشق. هذا وتروج الآن إشاعات عن “مراحل انتقالية”، أي أن قادة المجلس الوطني السوري على استعداد للتفاوض مع أيٍ من ممثلي السلطة السورية باستثناء بشار الأسد وشقيقه ماهر وبعض قادة الجيش. وقد برز من جديد اسم نائب الرئيس السني فاروق الشرع ، الذي قد يتمكن من تهدئة الخواطر، ورئاسة “الحوار الوطني”. وفي هذه الحال سيتم منح الحصانة لبشار الأسد ، ما يشير إلى أوجه التشابه مع السيناريو اليمني الذي طال إلى مالا نهاية، علما بأن المعارضة السورية بحاجة إلى نتائج سريعة. ويلاحظ أن هذه المعارضة ترواح في مكانها لجهة اختيار التكتيك، والاحتجاجات الجماهيرية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، وهي بحاجة إلى “تحمية” من جولة إلى أخرى. إن “المجلس الوطني السوري” ، الذي يبدو في الظاهر متراصا، يجمع في الواقع على مطلب واحد فقط، وهو رحيل بشار الأسد. ولكن وجهات نظر الجماعات المعارضة حول مستقبل البلاد تتباين جدا بحيث نجدها على طرفي نقيض، فللبعض توجهات نحو إقامة حكم الشريعة الإسلامية، والبعض الآخر يرى سوريا المستقبل دولة علمانية على نمط الديموقراطيات الغربية.

ومن الواضح أننا سنكون في القريب العاجل شهودا على بروز اشكال مختلطة للصراع، بدءا من الاعتصام في الساحات على غرار ما جرى في ميدان التحرير بالقاهرة، وانتهاء بالعمليات الإرهابية، علما بإن ثمة تحفظات على كل من هذين الاحتمالين. إن احتلال الساحات والاحتفاظ بها أمر متعذر ما لم يتخذ الجيش موقفا محايدا، وذلك عكس الفعاليات الاستعراضية قصيرة المدى التي يقصد منها اثبات الوجود أمام مراقبي جامعة الدول العربية. أما الجيش السوري الحر فلن يكون قادرا على تكرار “السيناريو الليبي” ما لم تتوفر عدة شروط، كفرض منطقة حظر جوي، وإقامة “مناطق عازلة” عند الحدود مع تركيا.

ويضيف كاتب المقال أن تركيا مضطرة لأن تأخذ بالحسبان موقف إيران وذلك للمحافظة على تحالفهما ضد الانفصاليين الأكراد. كما أن وضع الأكراد السوريين لا ينبئ بأي خير لأنقرة إذا ما أخذنا بالاعتبار سعيهم لإقامة “دولة كردية”. وتمتد من سورية بالذات ، وليس بدون مساعدة من دمشق الرسمية. تمتد قنوات الدعم لأعضاء حزب العمال الكردستاني. إن الأتراك ليسوا راغبين بالتدخل مباشرة في سورية، لأن ذلك سيثير رد فعل يصعب التكهن به لدى المحتجين في سورية ، وسيسبب انشقاقا آخر في صفوفهم ( لا تزال حية في أذهان السوريين ذكرى الخلافات الإقليمية مع تركيا). كما أن عدد أعضاء “الجيش السوري الحر” أقل بكثير من الرقم “15 ألف شخص” الذي يصرح به  المعارضون. وفي ظل الموقف الروسي والصيني الصلب تبقى بلدان الغرب الأمل الوحيد “للمجلس الوطني السوري”، فلولا هذه البلدان لكان خصوم بشار الأسد لا حول لهم ولا قوة. وهذه البلدان ستأخذ بالحسبان حتما موقف جامعة الدول العربية، غير أنها ستلجأ، اعتبارا من مطلع هذا العام، إلى أشكال جديدة للضغط على النظام السوري بهدف وحيد يتلخص بشق النخبة الحاكمة في سورية.

يوري شيغلوفين . موقع “معهد الشرق الأوسط”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock