خبر هام

سليمان آل سعود : بعبدا أولاً .. وليحترق لبنان

دعوني أعترف لكم بدايةً بأنني قد تأخرت قليلاً ، وبأن أجمل العبارات وأشدها تأثيراً ونفاذا لساحات العقول هي تلك التي تتوالد من ترجمة الأحاسيس ساعة تلتهب نيرانها وتتقد ، الأحاسيس التي تلي أو تعقب إرهاصات مفصلية وجوهرية ذات دلالة ورمزية خاصة ، تسبح في مدار قلب الأحداث ، وقلب الأحداث جميعها في حاضرنا هو الوطن السوري ، فيه ومنه وعبره و على مسامات جسده ترسم اليوم لوحةٌ خارقة التفرد والخصوصية اجمعت عقول كل ذوي العقول على تملكها لعنوان ليس لغيرها .. هو لوحة العالم الجديد ، الجديد بصالاته ومقاعده وخرائطه المستقبلية وموازينه السياسية والعسكرية والإقتصادية . ولأن الوطن السوري بات بهذه الشمولية والتمدد في تأثيره وتأثره في دوائر المحيطات قريبها وبعيدها ، ولأن حالة التوقف عند كل مفترق أو محطة أو حدث هو أمرٌ شاق ومضنٍ في بعض الأحيان .. ولأن كثيراً من الأحداث باتت تشبه بعضها حد المواءمة ، وخوفاً من الوقوع في فخ التكرار الممل ، لهذا وذاك أصبت أنا منذ إغتيال محمد شطح  بتلك الحالة من التردد في جدوى الكتابة ، ومغزى الكتابة ، ووجهة الكلمات وطبيعة المفردات . فالحالة الحادث .. أي الإغتيال .. حالة قديمة جديدة . قديمةٌ قدم لبنان على أقل تقدير وجديدةٌ كما تجدد حالة الإختلاف حد الإقتتال بين مكونات هذا البلد الصغير  ،  تلك التي اعتاد عليها كل اللبنانيين وكل من عرف لبنان . حالة أعادتنا في عربات الزمن إلى يوم إغتيال وسام الحسن ، وما أشبه الأمس باليوم . لا بأس أن أعترف أيضاً انني كنت مخطئاً في ترددي  ، وهذا الإعتراف تحديداً كان حتى ساعاتٍ قليلة مضت مجرد إحساس ، لكنه الآن بات قناعة … .

ميشيل-سليمان

ماذا تغير حتى قررت أن  أخوض غمار البحر الذي لطالما تعلمت في مياهه وبين أمواجه مبادئ السياسة وسياسة المبادئ و اللامبادئ .. لبنان الصغير . انها مفردات سليمان ، بل قصيدة سليمان ، و إحتفالية سليمان ، وعرس سليمان .” فالرجل” كان البارحة سعودياً أكثر من آل سعود ،لنقل هنا أن الرجل قد ” تسعدن ” البارحة  . و الحقيقة تقول اليوم أنه قرر اللعب على المكشوف ، فأسقط آخر أقنعته وحاول مجاراة لعبة الوقت والزمن ساعة قرر حرق المراحل . الرئيس الذي يفترض أنه رئيس كل اللبنانيين .. كان البارحة كما لم يكن يوماً .. المنافس الأول لسعد إبن أمه .. في إستزلامه و تبعيته لأحفاد محمد بن عبد الوهاب في نجد والحجاز . حسنا ،، يقول البعض إن كان لسعدو إبن أمه تلك التركة والميراث من كل أشكال الاستزلام لكل أفراد العائلة الحريرية لسكان البادية من آل سعود ، وإن كان الحافز عنده معلوماً ،، فما الذي يدفع برئيس دولة حرة مستقلة تتمسك بالحياد وتفاخر بالنأي بنفسها عن أزمات المنطقة .. أن “يتسعدن ” ؟ ، فيقلد سعد الحريري وينافسه في سباق التمسح على عتبات وبلاط من يعلم هو في سره أنهم أكثر أشباه البشر إجراماً و دمويةً وهمجيةً ونذالةً و عمالةً في تاريخ المنطقة وربما العالم . بل هو يعلم أنهم الوجه الآخر  “لإسرائيل ” وخنجرها المسموم في جسد الأمة .  إجابةً أقول : ميشيل .. أيها السادة كان يمارس حقه في إتباع القاعدة السياسية الأولى .. السياسة والمصالح .. لكنه يلعبها بعيداً عن المصالح العليا للبنان الوطن ، وانما على أساس وقاعدة المصلحة السليمانية الشخصية . هذا ما همس له به مقعد الرئاسة ، وهذا ما رسمته له ريشة أحلام مجده الشخصي ، وليذهب كل ما عدا ذلك إلى الجحيم . ميشيل يستميت اليوم في إستجداء سنواتٍ أربع جديدة يقضيها على ذات الكرسي ، رئيساً للبنان أو سفيراً للملك السعودي أو سعود الفيصل أو بندر في بيروت .. ولا فرق . لهذا فقد كان لا بد له أن يقدم أوراق إعتماده الرسمية اليوم بعد أن قام سابقاً بالمجاهرة والإفصاح عن إستعداده للاستزلام دونما حدود من خلال تصريحاته العدائية الهجومية على محور المقاومة وحزب الله تحديداً بمناسبة ودون مناسبة  … .

الغريب و العجيب ، المحزن والمضحك في تفاصيل هزليات مشاهد الأيام القليلة الماضية على الساحة اللبنانية أن الجميع يعلم .. أن الجميع يعلم ، بأن الحقيقة توشوش وتهمس وتشي بعكس ما يروج له البعض كحقيقة يتبناها بعض ذاك الجميع رغم هجران المنطق لها ونفور العقل من لا عقلانيتها . ونحن و إن كنا نعلم علم اليقين أن هذا هو واقع الحال ، وجب علينا رغم ذلك أن نخوض فيه قرعاً لأجراس الوعي في غير عقول ، وفضحاً لزيف مروجي الحقائق المزيفة . انها ببساطة بورصة الدماء .. وميشيل اليوم لم يختلف في شيء عن كل تجار الدماء في لبنان وخارجه ، ميشيل الذي رسم ملامح الفجيعة المبالغ بها على وجهه في مجلس العزاء ، يحيط به إضافةً لنجل المغدور سنيورة المستقبل و بهية آل الحريري أو آل سعود .. أيضاً لافرق . ميشيل هذا كان يعلم كما من كان يجاوره أن لا علاقة ولا مصلحة لكل من توجهت اليهم الإتهامات المعدة مسبقاً بإغتيال محمد شطح ، هم يعلمون أيضاً أن أعداء سوريا وحزب الله هم بأمس الحاجة لدعائم تمنع انهيارهم وسقوطهم وهزيمتهم ، هو كما هم يعلم أيضاً أن مصالحه تقاطعت مع مصالح هذا الفريق إن كان لجهة فرض تشكيل الحكومة التي تناسب هذا الجمع ، أو لجهة الوصول بحالة التحشيد والتجييش الشعبي ضد حزب الله والقيادة السورية حتى حدها الأقصى من خلال اللعب الخبيث على أوتار العاطفة والغضب والحقد الطائفي ، وإنتهاءً بالوصول للتمديد للرئيس الحالم بالكرسي ، الطامع بولاية جديدة ، الجاهز للمضي في التنازلات دونما حدود أو نهاية … .

هذا على الصعيد السليماني ، وأما في المفهوم الإجرامي البندري ، فلا بأس ولا حرج ساعة تقتضي الضرورة من الإستعانة بأحد المقربين أو المقربين جداً و تقديمه كبش فداء ، أو أضحية الهدف الأسمى ، أو شهيد شرف على مذبح ساح المواجهة مع الخصم العنيد والعتيد .. الجيش السوري الباسل و مقاومي حزب الله . ولأن تاريخ آل سعود قد علمنا أن لا كبير في ” أخلاقيات الصغار ” ، ولأنها واحدة من أقذر القواعد في الحرب الدائرة ، فإن ما يفرض الوصول إلى الأهداف من تقديم الأضاحي يتحول في اللحظات الحرجة من المواجهة من فرض واجب إلى فرض عين . هذه حقيقة يعلمها سليمان جيداً ويعيها ،، لكنه يستمرأ حالة البلاهة والغباء اللتان تسعفانه من أي حرج أو عتاب . ما يعلمه الجميع أيضاً أن أهم العوامل الضاغطة جداً والتي قصرت في عمر الضحية شطح هو إقتراب الموعد المبدئي لجنيف 2 ، وحاجة حلف العدوان والبغاء السياسي إلى تفجير المؤتمر وتفتيت وتشتيت جهود من يرعاه ويسعى لانعقاده  سيما أن كل  محاولات الحلف الصهيو أعرابي في قلب موازين القوة على الأرض السورية بما يعزز ويقوي موقف أتباع السعودية وقطر وتركيا من ” رجالات المعارضة السورية ” قد باءت بالفشل الذريع … .

ما غاب عن ذهن ميشيل آل سعود أن لسكان هذه البلاد ذاكرة تسجل وتحفظ وتؤرشف ، وأنها لا زالت تذكر أن الإيرانيين سبقوا آل سعود في عرض مساعدات من هذا النوع تخص تسليح الجيش وتدريبه ، وأن تلك العروض لم تلق تجاوباً من فخامته آنذاك ، ما فاته أن يتفكر به أن ملايين اللبنايين اليوم يتساءلون عن التوقيت المريب جداً لهذا السخاء الآل سعودي المفاجئ ، وإرتباط تقديم هكذا منحة بشرط إقحام حكومة فرنسوا أولاند على خط التنفيذ وأن ما تلاه ميشيل كان عناويناً مقتضبة استفاض هو في تفصيلها وشرحها والتغزل بها ومحاولة إظهارها كنتاجٍ لجهده الشخصي و علاقاته ” الندية ” مع قطعان الوهابية الآل سعودية . فاته أيضاً أن تفاصيل العناوين معلومة وواضحة رغم الحرص على إبقائها في الخزائن المغلقة ، التفاصيل التي تشي جميعها أن الأثمان جد باهظة لقاء هذه الهبة الآل سعودية ، فهي تمهد الطريق لحكومة أمر واقع يستبعد منها حزب الله ، وهي بهذا المعنى تعيد وتسترجع تفاصيل الخامس والسابع من أيار لعام 2008 ، و لا شك هنا أن عبقرية الصمت التي تنتهجها قوى 8 أذار تصيب خصومها بالإرتباك والحيرة حول ردود الفعل المتوقعة حيال هكذا خطوة جنونية خرقاء تشرع أبواب ونوافذ كل لبنان للعاصفة وللجحيم .. .

قد يكون من المفيد لمشيل أن يتفكر قليلاً بالخطوات التي تلي الإعلان عن الجنون ، حال اللبناني الوطني اليوم يقول : لو كنت مكانه لفعلت ، لو كنت مكانه لفكرت في مسألة الثقة التي لن تنالها هكذا حكومة ، وبمعضلة عدم أهليتها لتسيير شؤون بعبدا في حال عدم التوافق على مصير كرسي الرئاسة ، ولو كنت مكانه لتناولت بعضاً من الحبوب المهدئة ، ولأعقبتها بأخرى منومة ، علني أستطيع الهروب من ذاك الصدى الذي يلح على روحي بالسوأل .. من قتل محمد شطح يا فخامة الرئيس ؟ فصاحب الصوت يعلم أنني أعلم .. وأنا أعلم أنني أعلم ، لو كنت مكانه أخيراً لغمرني شعورٌ بالإثم والخزي والعار كلما تذكرت أنني ختمت إعلاني الرئاسي بعاشت المملكة العربية السعودية .

سيريان تلغراف | نمير سعد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock