Site icon سيريان تلغراف

ليبرالية الدم .. بقلم د. يحيى محمد ركاج

لماذا يُقَتَّلُ أبناؤنا؟ سؤال طرحته الشعوب عبر ملايين السنين، خاصة بعد نهاية الحروب والصراعات التي حصدت أرواح الألوف والملايين من البشر، لتجد بعدها الإجابات التائهة التي تدخل ضمن نطاقين: يعتبر الأول محدود النطاق الزمني وله مسبباته وتأثيراته في صنع الحياة والبشرية، ويبقى الآخر غير محدد النطاق الزمني وتقوده غريزة التحكم والسيطرة.

فقد أورث الله الأرض ومن عليها لعباده وجعلهم مسيّرين في أمور ومخيّرين في أمور أخرى، فأذن للذين يقاتلون وهم مظلومون ومن طردوا من ديارهم بأن يقاتلوا دفعاً للقتل، وأذن لمن يُعتدى عليهم أن يقاتلوا في سبيل الذود عن أرضهم وعرضهم، وقد ارتبطت هذه الأذونات بتبليغ الرسالات السماوية فكانت رخص محدودة الفترة الزمنية تنحصر في فترة إبلاغ الوحي والنبوة ونبوءاتها التي أبلغ عنها الأنبياء.

أما النطاق الآخر فتشير إليه أولى جرائم البشرية في سبيل التحكم والسيطرة عندما قتل قابيل أخيه هابيل بدافع السيطرة على الثروة والمال، فكان أحد التوجهات التي سلكها أتباعه من بعده من عبدة المال وصولاً إلى ليبراليي القرن الحالي الذين يتاجرون بدماء الشعوب مع فارق بسيط جداً بين الجريمة الأولى والجرائم الحالية.

إذ يتمثل الفارق بين الحدثين في كلا النطاقين بين الزمن الماضي والحاضر بوضوح فيما تشهده منطقتنا العربية هذه الأيام، حيث تتسابق الشعوب طلباً للشهادة دفاعاً عن أرضها وعرضها مقبلة غير مدبرة ولا آبهة بجبروت الفريق الآخر، وتطور أدواته وقدرته على الغدر والخيانة وشراء الذمم وصناعة العملاء، رغم تغير قواعد اللعبة عند بعض ورثة قابيل حيث أصبح القتل والموت بدافع التحكم والسيطرة يخضع لبورصة الدماء وعرّابي البشر، فتطور الأمر على سبيل المثال عندما أدرك الرئيس الأسود أوباما مطالب شعبه بعدم توريطهم بإنتاج الدماء بعد أن ورطهم قبله بوش الابن في حروب السيطرة على النفط والغاز بدافع تحقيق الرفاهية لهم ونشر التسامح والمحبة بين البشر، فتحول من القتال بشعبه ومرتزقته والشواذ إلى الحرب بالوكالة باستخدام النفايات البشرية وبعض الخونة من أبناء البلاد التي يسعى للسيطرة والتحكم في مواردها، مما أتاح له المضي قدماً في لعبة الليبرالية بامتصاص دماء الشعوب التي يسعى للسيطرة عليها، ومجيباً في الوقت نفسه على طلبات شعبه بأن يتوقف عن قتل أبنائهم.

في حين لم يدرك للآن الأبله أردوغان هذه الدرجة العالية من الاحترافية في بورصة رأسمالية سفك الدماء عندما ورط أبناء شعبه في لعبة عض الأصابع بين القوى الليبرالية الراغبة في التحكم بموارد العالم ومصير الشعوب، فلم يستطع المحافظة على استخدام النفايات البشرية وحفظ أبناء بلده من أن يتلوثوا بهذه النفايات.

ولعل تأخر اكتشاف هذا الخلل من الشعب التركي في قدرة أردوغان على القيادة واللعب مع الليبراليين الكبار مرده في أحد جوانبه إلى بساطة الشعب التركي ودرجة مسالمته المرتفعة لليبراليي الدماء في العالم، فلم يدركوا بعد لماذا يُعرّض أردوغان أبناءهم للموت نيابة عن تجار الحروب والدماء، أو مرده في جانب أخر إلى تأخر إدراكهم لتكلفة الدماء والاستقرار التي سوف يقدمونها نتيجة قدرة أردوغان على المواربة والتمويه في التعامل مع مقاليد الحكم الداخلي في تركيا.

لقد شاءت الأقدار أن تكون سورية هي موطن الأبجدية الأولى وموطن الأبجدية السياسية الجديدة في العالم، ولأنها موطن العزة والكرامة ومولد الشهداء، فأبناؤها يقاتلون دفاعاً عن أرضهم وعرضهم وكرامتهم فالشهادة والموت في سبيل ذلك لهم عادةٌ وغاية، وفي الوقت نفسه أصبحت سورية هي الجبهة الوحيدة في مواجهة لعبة التحكم والسيطرة التي يقودها ليبراليو الدماء وأصحاب نظريات اقتصاديات الموت البطيء، فلعبة عض الأصابع التي تقودها رموز رأسمالية الدم قد تطورت نحو بربرية النهش بلحوم البشر وأعراضهم، وقد بدأت أولى مراحلها عندما قامت الولايات المتحدة بالنهش بلحوم الشباب العربي المسلم المغرر بهم في الخليج العربي تحت ذرائع الشريعة والدين، والآن جاء دور النهش بلحم الشعب التركي بطوائفه وفئاته المختلفة كما فعلت عبر عميلها التركي أردوغان مع الأرمن في كسب في العام الماضي، والآن تعمل الشيء نفسه مع الأكراد في عين عرب، ليأتي دور الأقليات الأخرى المكونة للدولة التركية على ما يبدو لاحقاً، وما الخطأ المرتكب عمداً من قبل القوات الأمريكية في إرسال السلاح والإمداد للتنظيم الإرهابي (داعش) إلا خطوة من بحر الخطوات نحو تحقيق هذا الهدف.

وتبقى هنا الأسئلة الأبرز التي لا تزال البشرية جمعاء وأنصار الخير فيها على وجه التحديد تنتظر من العالم الإجابة عليها عموماً، وتنتظر من الشعب التركي أن يسأل قادته الجدد عنها على وجه الخصوص:

لماذا يقتل أبناؤنا خدمة لرأسمالية الدماء وتجار الموت البطيء؟ أولم يحن الوقت ليتوقف أنصار السيطرة والتحكم بالعالم عن بربرية لعبة عض أصابع الشعوب المسالمة تحقيقاً لمصالح أنظمتهم البائدة؟!

 سيريان تلغراف | د. يحيى محمد ركاج

 

Exit mobile version