الصحف العربية

“البديل” المصرية : “المعارضة المعتدلة” .. خلاف حول المفهوم والأهداف !!

تتباين مواقف الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة حول تعريف “المعارضة المعتدلة، وكيفية دعمهم لحسم الصراع في سورية إلى صالح هذا المعسكر، في الوقت الذي يدخل فيه هذا الصراع عامه الرابع دون حسم يرضي المعسكر السابق، بل وفشل في تحقيق أي من أهداف من شأنها إضعاف دول محور المقاومة، وعلى رأس هذه الأهداف إسقاط الدولة السورية.

صحيفة “البديل” المصرية اعتبرت في مقال لها اليوم أن بداية هذا الفشل كانت عشية تدخل دول إقليمية على رأسها السعودية وقطر وتركيا بغية تعجيل تحقيق هذا الهدف وبأي وسيلة، حتى وإن كانت دعم وتسليح التكفيريين وجلبهم من كافة أنحاء العالم ودفعهم داخل سورية وتوفير كل ما يمكن من سلاح وأموال وإعلام يدعمهم تحت مسميات مختلفة، مثل “الجهاد”، ما لبثت إلا أن شملت معنى أوسع لمن يرفعونه شعار، فالخلاف بين “داعش” وتنظيم “جبهة النصرة” الذي أفضى بعد بيان أنه الأخير تابع للأول، إلى أن أعلن عن تنظيم “داعش”.

المعارضة-المعتدلة

والمنهج الأخير البالغ في دمويته عجل بحرقه كورقة استخدمت على مدى عامين في تصديره هو ومن لف لفه من التنظيمات الجهادية الأخرى، على أنهم وجه أخر من “المعارضة” السورية. فتفجر الخلافات والصراعات بين الفصائل المسلحة كانعكاس للتباين في مواقف الدول الثلاث السابقة الداعمة لهم جعل من امكانية استمرار دعم هذه الفصائل أمر غير شرعي، خاصة بعد التطور السريع الذي أفضى إلى “خلافة” بعد اجتياح ما يقرب من نصف العراق، والمذابح الجماعية التي ارتكابها عناصر “داعش”، الذين أضحوا مشكلة على أولى قائمة التحديات التي يواجهها المجتمع الدول حيث أن عدد لا بأس به من هذه العناصر من جنسيات أوربية وغربية، هم بمثابة قنابل موقوتة حين عودتهم إلى بلادهم.

وجاء قرار مجلس الأمن رقم2170، الذي جرم تقديم أي دعم لتنظيمي “داعش” و”النصرة”، ومعاقبة من يفعل بمقتضى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك عشية إعلان الإدارة الأميركية عزمها على مواجهة الأول، وفي العراق على وجه الدقة، ليجلب معه للمرة الثانية مسألة توجيه ضربة عسكرية في سورية بغرض إسقاط النظام، مثل التي كانت مقررة في 2012 وأحبطت بسبب التدخل الروسي والتغير المفاجئ في المنطقة، انطلاقاً مما حدث في شهر حزيران من العام نفسه في مصر، وانتهاء حكم الإخوان وتراجع نفوذهم في المنطقة، وهو ما أفقد واشنطن داعم قوي في تنفيذ مخططاتها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان أخر فعل سياسي للرئيس المعزول، محمد مرسي، هو قطع العلاقات مع سوريا وفتح باب الجهاد، وهو ما كان يعني وقتها غطاء من دولة عربية هامة لأي تصرف أميركي في سورية. ولكن ما حدث بعد ذلك أرجئ المساعي الأميركية، التي اصطدمت بوجوب الدخول في عملية إعادة ترتيب أوراق مع حلفاءها الإقليميين، وعلى رأسهم السعودية، التي كان من مصلحتها إنهاء حكم الإخوان وتقليص نفوذ الدول الداعمة لهم، وتحديداً، قطر وتركيا، وهو ما أدخل المنطقة في صراع محاور أفضى في النهاية إلى تراجع نفوذ قطر وتركيا الداعمين الرئيسيين للإخوان. وتبقى كيفية مواجهة خطر “داعش” التي أنفلت عقالها وأضحت خطراً على داعميها.

بالتوازي مع الإعلان عن الإستراتيجية الأميركية لمحاربة “داعش”، أصرت السعودية على أن يكون هذا الأمر بالتوازي مع استمرار جهود اسقاط “النظام” واستمرار تسليح ودعم وتدريب ما يسمى “المعارضة المعتدلة” لتحل محل الجيش السوري وتواجه تنظيم “داعش” في المستقبل الذي سيتراجع أمام الضربات الجوية للحلفاء، وبالفعل تم تدشين هذا المبدأ بين الدول العربية المشاركة في الحلف والولايات المتحدة، وذلك في اجتماع جدة الأول في أيلول الماضي. والذي اعتبره البعض طريق أولي لإعادة ترتيب أوراق واشنطن مع حلفاءها في المنطقة طبقاً لمواجهة خطر “داعش” وفيما يبدوا أن التوافق كان ظاهرياً، ففي ظل تأزم الموقف وقتها بين الدوحة من جهة ودول الخليج وعلي رأسها السعودية والإمارات، وكذلك الحال بالنسبة للرياض وأنقرة؛ فأفضى ذلك إلى اختلاف في أسلوب وكيفية الاستفادة من التراص الإقليمي والدولي على مستوى الحكومات والشعوب لمواجهة التنظيم الإرهابي الذي يتمدد كل يوم جديد أكثر من سابقه، وتوظيف ذلك للحصول على مكاسب سياسية، وفي القلب من هذه الخلافات هو تعريف وتحديد ما يسمى بـ”المعارضة المعتدلة”.

ومنذ أن أعلنت الرياض عقب اجتماع جدة الأول عن إقامة معسكرات تدريب لـ”المعارضة المعتدلة”، كشريك رئيسي للتوجه العسكري الأميركي في سورية والعراق، أتت ردود أفعال الدول المعنية كقطر وتركيا وإسرائيل متسائلة عن ماهية هذه المعارضة، ولكن باختلاف زاوية طرح التساؤلات. فالدوحة وعلى لسان أميرها الذي صرح في أكثر من مناسبة وفي سياق حديثه عن ضرورة مواجهة المتطرفين أكد على أن هناك تباين بشأن ماهية “المعارضة المعتدلة” لدرجة أنه قال أن هناك تسييس في مسألة إعطاء صفة الإرهابي أو المعتدل وفقاً لمصلحة بعض الأطراف، وأن التعامل رسمياً مع بعض الفصائل المسلحة المعتدلة حتى وأن كانت إسلامية-في إشارة إلى جبهة النصرة- يضفي مصداقية على عزم دول التحالف مساندة الشعب السوري وتخليصه من الإرهاب والقمع على حد قوله.

الأمر نفسه بالنسبة لتركيا التي استمرت في دعم مسلحي “داعش” لاعتبارات عدة أهمها المناورة السياسية للضلوع بدور مهم في التحالف وتأكيد أنه موجهة لإسقاط دور الأسد أولاً وأخيراً، ناهيك عن محاولات مستمرة من جانب أنقرة لتثبيت رؤيتها كعقيدة لدى دول التحالف وعلى رأسهم الولايات المتحدة في اعتبار أنه لا مجال لبحث الحقوق الكردية أو التعاطي مع أكراد سوريا كقوة معترف بها لمحاربة التنظيم. فيما ذهب العدو الإسرائيلي إلى أعتبار أن الأولوية القصوى هو تأمين حدودها مع سورية، والتعاطي بإيجابية مع كافة فصائل وتنظيمات المسلحين في سوريا بما فيهم “جبهة النصرة”.

ويأتي التباين السابق حول تعريف “المعارضة المعتدلة” كتجلي للصراعات السياسية المركبة في المنطقة، فبداية من الخلافات بين الرياض والدوحة سواء لسلوك الدوحة المزعج لجيرانها في الخليج، أو دعم الإخوان أو ميل الدوحة إلى الأستمرار في دعم “جبهة النُصرة”. كذلك الخلاف بين الرياض وأنقرة حول من تكون له اليد العليا في دعم المسلحين بسورية والتنافس في ذلك، ووحدة وجهة النظر تجاه ما يحدث في سورية بين “تل أبيب” والرياض، إلى الخلاف الثانوي بين الولايات المتحدة من جهة والسعودية والعدو الإسرائيلي من جهة أخرى حول الملف النووي الإيراني والصراع مع إيران بشكل عام والذي في القلب منه الأزمة السورية. وهو ما يتسبب حتى اللحظة في ضبابية تحديد أياً من المسلحين في سورية إرهابي و أياً منهم معتدل، خاصة مع تاريخ هذه الدول في دعم الإرهاب، وخاصة السعودية التي تعتمد دعم التنظيمات الإرهابية مادياً ومعنوياً منذ أواخر الثمانينيات في أفغانستان وحتى بدايات العقد الثاني من الألفية الجديدة في سورية كمنهج سياسي، ألقى بظلاله على فاعلية معالجة كارثة “داعش” التي ساهمت فيها السعودية أكثر من غيرها، حيث دأبت الرياض على استخدام الجماعات المتطرفة في تنفيذ أهداف سياسيتها الخارجية، وهو ما أفضى إلى “القاعدة” في البداية، و”داعش” مؤخراً.

وبخلاف السابق، أيضاً هناك معضلتين في سياق الحديث عن شرعنة ورسمية دعم المسلحين في سورية من الدول السابقة، فأولاً هناك قرار مجلس الأمن بتجريم الدول والجهات الداعمة لـ”داعش” و”النُصرة”، وهو ما يعني فقد فرصة علانية الدعم من جانب تركيا وقطر وأستمراره، ولكن بالطبع ذلك مرتبط بسياسات هذه الدول الإقليمية، فمثلاً جنحت الدوحة للمطالب السعودية، وغيرت خطابها الإعلامي سواء بالنسبة لحركات الإسلام السياسي عامة، والإرهابيين في سورية، فقنوات الدعم القطرية للمسلحين وخاصة “النُصرة” وأتباعها، في سورية ولبنان حولت أكثر للتدخل في أزمات خطف الرهائن وصفقات الإفراج عنهم. أما بالنسبة لتركيا، فخطاب نظام أردوغان العلني حول “داعش” يتسق مع التوجه العالمي لمواجهة التنظيم، ولكن على أرض الواقع أثبتت معارك عين العرب مؤخراً استمرار دعم أنقرة لعناصر التنظيم، واستفادتها من ذلك في المناورة سياسياً مع دول التحالف.

المعضلة الثانية تتعلق بالوضع الميداني في سورية، حيث اليد العليا في صفوف المسلحين هناك لـ”داعش” ويليها “جبهة النُصرة”، واندحار ما أُعتبر منذ بداية الأحداث في سورية، وهو “الجيش الحر” الذي لا يسيطر إلا على نقاط محدودة لا تقارن بسيطرة التنظيمين السابقين، وهو ما يعني الحاجة إلى تدريب وتوريد مقاتلين “معتدلين” بحسب الرؤية السعودية الأميركية، وهو ما جعل البلدين يخصصون مليارات الدولارات بشكل رسمي لتدريب “المعارضة المعتدلة.

فبعد إعلان السعودية عن عزمها إقامة معسكرات تدريب على أراضيها، عملت واشنطن على نفس الأمر ولكن على الأراضي القطرية، وهو ما نشرته وكالة “رويترز” قبل أيام عن قيام قطر بمساعدة الولايات المتحدة بتدريب مقاتلين من “المعارضة المعتدلة” في معسكر تدريبي بمنطقة “العُديد” التي يقع فيها القاعدة الجوية الأميركية، وأن الدفعة الأولى من المقاتلين ينتمون لما يسمى ”لجيش الحر” و”الجبهة الإسلامية”، يشكلون نواة لبرنامج أشمل ويخضع المشاركين فيه لبحث أمني تشرف عليه وكالة المخابرات المركزية الأميركية، فبعد التأكد من عدم صلتهم بأي تنظيم إرهابي، يتم نقلهم من سورية إلى تركيا ثم إلى قطر.

وتجدر الإشارة أن “رويترز” ذكرت في تقريرها أنه بحسب مسئولين أمنيين وعسكريين سعوديين أن الرياض لا تعلم شيئاً عن هذه المعسكرات، وهو ما يطرح تساؤل حول استمرار النهج ذاته الذي اعتمدته كل من الدوحة والرياض وأنقرة وواشنطن في دعم المسلحين بسورية، وهو عدم تأطير الدعم بإطار محدد الشروط والكيفية وهو ما يبدو أنه سوف يستمر ولكن بشكل علني وبشرعية دولية، ويطرح أيضاً مدى اتساق ذلك مع الجهود السعودية الرامية إلى دور قيادي في مسألة دعم “المعارضة المعتدلة” وكذلك تساؤل حول إذا ما كان التنسيق بين واشنطن والدوحة في هذا السياق يتكامل أم يتناقض مع التنسيق بين الرياض وواشنطن في نفس المضمار والذي أعلن عنه في اجتماع جدة.

قد يمسي الخلاف بين دول التحالف –تحديداً واشنطن وحلفاءها في الخليج إلى جانب تركيا- حول تعريف وتحديد “المعارضة المعتدلة” وكيفية دعمها وترتيب الأولويات المرجوة منها إلى انهيار التوافق حول ضرورة مواجهة “داعش” الذي بدا في الشهور الثلاثة الماضية بين هذه الدول وكأنه توافق صلب، ولكن وحسب المعطيات الأولية فأنه يبقى لكل من هذه الدول أهداف خاصة بعيدة عن جوهر مواجهة “داعش” والقضاء عليه، وحتى وإن كان التحالف ظاهرياً يعنون بذلك.

سيريان تلغراف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock