مقالات وآراء

الحق في الحياة .. بقلم يحيى محمد ركاج

أقرت الشرائع السماوية جميعها حق الإنسان في الحياة، فاعتبرت سلب الإنسان هذا الحق من الكبائر التي يهتز لها ميزان الكون، كما أقرت القوانين العالمية هذا الحق وعملت على رفعه شعاراً للديمقراطية والحرية من النواحي النظرية، فانتصر هذا الشعر نظرياً ليبقى أمر تحقيقه العملي مرهوناً بأمر الخالق جلاَّ وعلاّ.

فإذا نظرنا إلى ما ورد إلينا من تاريخ أسلافنا القدامى فإننا نجد ومضات حافلة بحماية هذا الحق وانتهاكاته ومبررات لانتهاكه تجاوزات الحفاظ عليه، ولعلَّ الآية الكريمة “” مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا “” خير دليل للحفاظ على هذا الحق، ودليلٍ على ضوابط تجاوزاته أيضاً، الأمر الذي يضفي بعض التساؤلات على حماية هذا الحق ومن المخول في تجاوزه، فالأنبياء المتمتعون بالعصمة قدسوا هذا الحق ولم يثبت عنهم -وهم المتصلون بالوحي السماوي- تجاوزه بشكل مباشر، فيما اجتهد أتباعهم وخلفائهم في تقدير تجاوزاته كل على هواه، تحت ذريعة الشريعة والفضيلة والحق العام بستار ظاهري أو مبطن من القضاء، فكان الفساد والطغيان وسفك الدماء، وكان فيما كان أيضاً من القصاص والثأر وعقاب رب العزة سبحانه وتعالى لبعض الذين تجاوزوا في تطبيقه منهم.

صورة-للاجئين-سوريين

وقد جاء في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان في أواخر القرن الماضي في المادة الثالثة منه أن لكل شخص الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه، وجاءت باقي مواد الميثاق لتشيد وتقر بمجموعة من الحقوق الفردية والشخصية للإنسان، واعتبرت أن القتل من قبل الدولة أو عملائها أو حتى نفي الأشخاص إلى دولة تكون فيه حياتهم معرضة للخطر من بنود انتهاك حق الحياة، وجاء في تقرير منظمة العفو الدولية أن إعدام الأشخاص من قبل الدولة يعتبر وصمة عار في جبين الإنسانية، وقد تطورت المقترحات التي تقدس هذا الحق مع التطور الحضاري الذي تشهده البشرية، حتى أضحى الصوت المرتفع نظرياً هو انتهاكاً لحرية الشخص في العيش بسلام وهدوء واستقرار.

إلا أن ما تشهده البشرية منذ بدايات القرن الماضي انطلاقاً من عمليات القتل والإبادة الجماعية في العراق، ومجازر الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان، وصولاً إلى ما تشهده منطقة شرق المتوسط من إرهاب منظم تدعمه دول شرقية وغربية يقود إلى قتل البشر والدواب وكل ما هو حي على سطح الكرة الأرضية، وتدمير الحجر الذي يعتبر شاهداً على تاريخ المنطقة الحضاري يعتبر انتهاكاً واغتصاباً خطيراً لحق الإنسان في الحياة. فإذا أيقنا أن الاحتلال الأمريكي والكيان الصهيوني وقوات الناتو عدوانيو الطابع والأصل، ولا ينتمون سلوكياً إلى سكان المنطقة، ويفضلون المصلحة والمنفعة على أرواح البشر من غير مواطنيهم، ومن مواطنيهم في بعض الأحيان، الأمر الذي يتماشى مع امتصاص الرأسمالية لدماء الشعوب وسحق أجسادهم وأرواحهم تحت عجلتها المدرة للمال والمنفعة. فإننا لا نجد مبرراً لما يحدث من أبناء المنطقة الواحدة نفسهم وفيما بينهم، إلا امتداداً لطغاة السابق وعنجهية بعض الحكام السابقين وغبائهم. وتفريطاً من بعض القضاة لحقوق البشر ومحاولة إعادة استعبادهم.

ولعل ما تم في الدولة العربية مصر من براءة رموز نظام مبارك من عمليات القتل الجماعية للشباب المصري في الميادين والساحات العامة، ليس إلا أحد أوجه الاستعباد التي قررها بعض المتنفذين في مصر لحقوق الشعب العربي المصري الأبي، وهي تتشابه مع العفو عن المجرم جعجع في لبنان، فهل ينتظر شعبنا في مصر مصيراً سياسياً مشابهاً لمصير الشعب اللبناني.

لقد أُسقط حق الحياة لشعوب منطقة شرق المتوسط في ميزان العدالة الدولية المائل لأن السادة الكبار أصحاب القرار العالمي لهم مصلحة في اقتتال البشر في هذه المنطقة الجيوستراتيجية الهامة وسفك دمائهم، وما الأطر القانونية التي نظموا من خلالها حق الحياة وتقديسه في المنظمات والهيئات الدولية إلا تكريساً لمصالح الغرب على حساب دماء الشرق، وتقسيماً لشعوب العالم إلى طبقتين هما: المتمتعون بكامل الحقوق والمتمتعون إلزامياً ببعضها، أي إلى أسياد وعبيد، ولن يتحول العبيد إلى أسياد في مجتمعات الغرب مهما تم تجميل المصطلحات وتزيينها، فهل يدرك أخوتنا من سارقي حقوقنا هذا الأمر، وهل يدرك المتسببون في أزمات غذاء الشعب السوري وسوء تعامله مع الحصار الظالم المفروض على حقه في الحياة هذا الأمر أيضاً.

سيريان تلغراف | د. يحيى محمد ركاج

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock