مقالات وآراء

معركة تدمر ضرورة تسبق المرحلة الانتقالية

لم تفاجئ أحدا سيطرة الجيش السوري على تدمر بهذه السرعة، كما فاجأت الجميع سيطرة “داعش” الخاطفة على هذه المدينة الأثرية قبل ذلك.

سيطر التنظيم الإرهابي على تدمر في وقت كان اهتمام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة منصبا على الحسكة، وكان الجيش السوري وقتها يعاني إرهاقا كبيرا بفعل التقدم، الذي حققه مسلحو ما يسمى “جيش الفتح” في شمال سوريا الغربي.

وفي المقابل، كان الاهتمام العسكري الروسي منصبا على منع انهيار الجيش السوري في الشمال، ووضع حد للتقدم الذي أحرزته مجموعات مسلحة.

مدينة-تدمر-الآثرية

لكن الأولويات اختلفت بعد الهدنة العسكرية، وقرب دخول مفاوضات جنيف مرحلتها الحساسة؛ حيث كان لا بد من تهيئة الأجواء على الأرض قبيل بدء المرحلة الانتقالية المقررة خلال الأشهر المقبلة بحسب التفاهمات الروسية-الأمريكية، والقرار الدولي 2254، ووثيقة دي ميستورا الأخيرة المؤلفة من 12 بندا.

بيد أن معركة تدمر، وفق خبراء عسكريين، هي المعركة الأسهل مقارنة بالمعركتين المقبلتين في  محافظتي دير الزور والرقة، اللتين تشكلان معقلا رئيسا لتنظيم “داعش”. ويتطلب الأمر قبيل الشروع بهما، استكمال المعارك في شمال وشرق تدمر من أجل تطويق دير الزور من ناحية الجنوب، وفي ريف حلب الشمالي والشرقي من أجل تطويق التنظيم في الرقة من ناحية الغرب.

ويبدو من التفاهمات الروسية-الأمريكية أن المنطقة الشرقية من سوريا (تدمر، دير الزور) هي ساحة المعارك بالنسبة للجيش السوري وروسيا، باعتبار أن تدمر هي أقرب المدن إلى دمشق وحمص؛ وبالتالي، فهي أقرب إلى الطريق الدولي بين حمص ودمشق.

أما بالنسبة لدير الزور، فقد بدا الاهتمام الروسي واضحا بها منذ الإنزال الجوي للمساعدات للمناطق المحاصرة من قبل “داعش”. كما أن أحد أهم العوامل المهمة الخاصة بدير الزور هو السيطرة على آبار النفط وضرورة إعادتها إلى سيطرة الحكومة السورية، وذلك بعدما سيطر الأكراد على آبار النفط في الحسكة.

وفيما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن اهتمامها واضح في الحسكة والقامشلي بسبب قربهما من العراق، وتحديدا من إقليم كردستان العراق.

ووفق التفاهمات المبرمة بين موسكو وواشنطن، فإن معركة تدمر يجب أن تبدأ، وربما دير الزور، قبل معركة الرقة الأكثر تعقيدا بسبب وجود مكون كردي فيها؛ الأمر، الذي قد يربك التحالفات على الأرض، بعكس دير الزور التي لا يقطنها سوى المكون العربي.

وبالنسبة للرقة، فقد أدى وجود وحدات الحماية الكردية، وسيطرتها على مناطق ذات غالبية عربية كمدينة تل أبيض، إلى نشوء حالة من عدم الثقة بين الأكراد والعشائر العربية، انعكست بشكل جلي أثناء سير المعارك هناك قبل أشهر. وقد أعلن الأكراد أكثر من مرة أنهم لن يهاجموا التنظيم في مدينة الرقة ولا في محيطها بسبب الغالبية العربية للسكان، خشية اندلاع ثورة عربية لدى العشائر ضد الأكراد.

ويقوم المخطط الأمريكي-الروسي على الشكل التالي: الشرق السوري للجيش، والشمال الشرقي للأكراد. أما الشمال الأوسط والغربي، الذي يشمل الرقة وريفي حلب الشرقي والشمالي، فسيكون تحت سيطرة الأكراد والعرب، على أن تبقى المعارضة المسلحة في معقلها إدلب، وبعض المناطق المتاخمة لها كريف حماة الشمالي وبعض مناطق ريف حلب الجنوبي.

وثمة احتمال آخر، وهو دفع التنظيم إلى التوجه نحو ريف حلب ومواجهة فصائل المعارضة المسلحة، ولا سيما أنها الطرف الأضعف، مقارنة بالجيش السوري المدعوم بغطاء جوي روسي، و”قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة بغطاء جوي أمريكي، وقد أبدى قادة في “جيش الفتح” تخوفهم من ذلك.

غير أن هذا الاحتمال يظل بعيدا؛ إذ لا يبدو أن الولايات المتحدة ترغب بعد الهدنة في تأجيج الوضع مع حلفائها الإقليميين. كما أن السماح لـ”داعش” بالتقدم عميقا في حلب قد يؤدي إلى نتائج سلبية ليس على فصائل المعارضة، بل وعلى الأكراد والجيش السوري أيضا.

والمطلوب في المرحلة المقبلة هو تهيئة الأرضية لتنفيذ البند العاشر من وثيقة المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، المتمثلة بإعادة “بناء جيش وطني قوي وموحَّد، بوسائل تشمل أيضاً نزع سلاح الجماعات المسلحة الداعمة للعملية الانتقالية وللدستور الجديد ودمج أفرادها.. ويقوم هذا الجيش المحترف بحماية حدود الدولة وسكانها من التهديدات الخارجية وفقاً لمبدأ سيادة القانون.. وستمارس الدولة ومؤسساتها بعد إصلاحها حقها الحصري في السيطرة على السلاح، ولن يُسمح بأي تدخّل من جانب مقاتلين أجانب على الأراضي السورية”.

سيريان تلغراف | حسين محمد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock