مقالات وآراء

معالم فشل الحملة الاستعمارية على سورية .. بقلم : غالب قنديل

تلاحقت في الأسبوع الماضي الوقائع التي تشير إلى تعثر جميع خطط التدخل الخارجي في سورية وحيث تحولت المساعي الهادفة إلى محاصرتها وإخضاعها لفرض البرنامج الذي طرحه رئيس مجلس اسطنبول برهان غليون ، إلى خيبة أرخت بظلالها على حكومتي فرنسا والولايات المتحدة وعلى كل من حكومتي تركيا وقطر ، بعدما تصدعت منظومة العقوبات وإثر انكشاف انسداد جميع محاور الرهان على تدخل عسكري خارجي ، وما بقي في جعبة الحلف الاستعماري الغربي الصهيوني وملحقاته الإقليمية ، هو إعادة استخدام فلول التكفير والتطرف في المنطقة ومحاولة الزج بها إلى الداخل السوري لتفعيل حركة الإرهاب المسلح وعمليات التخريب التي تستهدف الاقتصاد والأمن السوريين.

أولا: تكرست حقيقة أن الاحتجاجات الشعبية تقلصت إلى حد بعيد وباتت كناية عن تجمعات لأنصار الأخوان المسلمين وجماعة التكفير والتشكيلات الصغيرة التي تضم يساريين وقوميين مرتدين في صفوف المعارضات السورية ، وهذه التجمعات بأرقامها الواقعية كانت في يوم الجمعة الأخير خمسة فقط في كل أنحاء سورية وقد تم تنظيمها في بلدات ريفية من محافظات حمص وحماه وإدلب ودرعا حيث تجمع المحازبون بالمئات ، وأطلقوا الهتافات لتلتقط لهم صور الفيديو التي تم بثها على القنوات الفضائية . للمناسبة فهذه الجمعة أيضا تكررت على تلك القنوات ملامح التزوير والتصنيع فقد روى أكثر من مواطن سوري لإعلاميين و مراسلين أنهم شاهدوا صورهم مع عائلاتهم في أشرطة لأعراس حضروها وشاركوا فيها ، عرضت على أنها تجمعات ومظاهرات بعد إظهار الكلاكيت المصنعة التي تحمل اسم البلدة وتاريخ الجمعة التي كان عنوانها “الجامعة العربية تقتلني” وقد بادر بعض هؤلاء المواطنين السوريين إلى إبلاغ محدثيهم بمجموعة كبيرة من الحوادث المشابهة التي تعرض لها آخرون منذ بداية الأحداث في سورية. انكفاء الاحتجاجات وضمور الجمهور الذي يلبي دعوات المعارضات بات حقيقة صارخة في المشهد السوري دفعت بالسيد آلان جوبيه المفجوع بإدانة معلمه جاك شيراك في القضاء الفرنسي ، بعدما كان قد حمل عنه حكما سابقا في قضية فساد أخرى، إلى القول أن النظام السوري يقمع ثلاثة ملايين مواطن والسيد جوبيه يقدر بهذا الحجم شعبية المعارضات السورية من أصل الملايين الثلاثة والعشرين من السوريين ، وهو يفترض بالتالي ضمنا أن هناك عشرين مليون سوري يرفضون برنامج ربيبه برهان غليون ومجلس الأخوان المسلمين الاسطنبولي ، ويريدون تغييرا سياسيا وإصلاحا في بلدهم بقيادة الرئيس بشار الأسد ومعه وعلى أساس خيار المقاومة والاستقلال. طبعا الملايين الثلاثة هو رقم افتراضي بناه السيد جوبيه على اعتبار أن النواحي الريفية في المحافظات الأربعة التي تشهد حلقات المحازبين والأعراس المزورة في المشهد الإعلامي تعكس هذا الثقل السكاني الذي ينسبه زورا للمعارضات ، علما أن الشكل الوحيد لحركة مجلس اسطنبول في هذه المحافظات هو الشبكات المسلحة والإرهابية ، وحيث لا ينفك المواطنون عن مطالبة الدولة الوطنية السورية باستعجال الحسم وتصفية البؤر المسلحة التي تنظم عمليات الخطف والقتل والسرقة والتخريب.

ثانيا: برز نقاش جدي حول جدوى العقوبات في المؤسسة الحاكمة الأميركية عبر عنه تقرير نشرته مجلة الفورين افارز الأميركية لخبيرين دوليين في شؤون العقوبات خلصا إلى الاستنتاج أن ما فرض على سورية يمس الشعب السوري ويعزز من فرص تقوية الدولة السورية التي تمتلك كثيرا من البدائل ، واعتبرا التدابير التي اتخذت من جانب الاتحاد الأوروبي نفاقا سياسيا ليخلصا إلى القول أنه لو كانت الديمقراطية هي الهدف لوجب على الحكومات الغربية أن تقدم سلة من الحوافز للرئيس بشار الأسد بهدف حثه على قيادة تحول ديمقراطي. ما لم يكشفه الخبيران عن غاية العقوبات اكتشفه الشعب السوري من خلال برنامج مجلس اسطنبول الذي أعلنه برهان غليون ومن خلال التبني الصريح والعلني للأنشطة الإرهابية وللجرائم التي تنفذها ميليشيات هذا المجلس على الأرض. على هذا النحو بقي من الأزمة السورية أمام الشعب السوري مظهران حاسمان لا ثالث لهما: 1- التدخل الأجنبي الهادف لتدمير القوة السورية ولإخضاع سورية أمام الإملاءات الأميركية الإسرائيلية وإلحاقها بمنظومة الحكومات العربية الخاضعة لمشيئة الولايات المتحدة ولهيمنة إسرائيل ، وحيث تمثل المعارضة السورية الخارجية العنوان السياسي والأداة المستعملة في تسويق هذا المشروع وتنفيذ فصوله فان المعارضة الداخلية ما تزال مشتتة وخاضعة للابتزاز تنقصها الجرأة والشجاعة في اتخاذ موقف ينسجم مع يافطة معارضة التدخل الأجنبي وتبني مبدأ الحوار والإصلاح. 2- المظهر الثاني هو الإرهاب المسلح الذي تشنه ميلشيات مجلس اسطنبول وقوتها الميدانية التي تتركز في أرياف محافظات إدلب وحمص وحماه وفي بعض أحياء مدينة حمص وهي كناية عن خليط يتصدره التكفيريون السوريون والوافدون من الخارج ومسلحو تنظيم الأخوان المسلمين وجموع من المرتزقة وحيث يقوم عصب هذه الميليشيات على تدفق الأموال والأسلحة عبر الحدود التركية واللبنانية والأردنية. في مجابهة التدخل الأجنبي والإرهاب تميل الغالبية الشعبية الكبرى في سورية التي قدرها جوبيه بالعشرين مليون إلى التمسك بالدولة الوطنية وبجيشها وبرئيسها لضمان الخروج الآمن من الأزمة عبر مسيرة الإصلاحات وبالحوار الوطني داخل المجتمع.

ثالثا: تتأكد في سياق الأزمة الأهمية الكبرى الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية للمعادلة الدولية الإقليمية التي شاركت سورية في صياغتها منذ انتصار المقاومة في لبنان عام 2000 وطردها للاحتلال الإسرائيلي ، وبالأخص منذ احتلال العراق ورفض الرئيس الأسد لشروط كولن باول ، وما تلا ذلك من فصول مواجهة وحروب شكلت خلالها سورية العمود الفقري لمنظومة الاستقلال والمقاومة التي دحرت الغزوة الاستعمارية. الفيتو الروسي والصيني والمواقف الثابتة والصلبة للصين ولروسيا وللمجموعة الدولية المستقلة ليست إلا تعبيرا عن الشراكة مع سورية في مقاومة الهيمنة الأحادية الأميركية والتحالف الاستراتيجي العميق بين دمشق وطهران يشكل بعدا مكونا للبيئة الإستراتيجية التي أسقطت هيبة الردع الإسرائيلية في حربي لبنان وغزة وهو يظهر اليوم في مناخ المواجهة مع خطة استهداف سورية رصيدا مهما اقتصاديا وسياسيا كما أنه دور الرافعة الحاضنة لتحرر العراق من الاحتلال الأميركي. مباركة أوباما لتحرك الحكومة العراقية على الخط السوري ، وترحيب كلينتون بفرص البحث في مشروع القرار الروسي ، تمثل بداية تراجع أميركي فرضه فشل الحملة الاستعمارية على سورية وهي نقطة انتقال إلى وضع جديد ستكون فيه سورية بقيادتها وشعبها أقوى وأشد مناعة وحصانة في مجابهة التحديات وعلى معارضي الداخل أن يميزوا أنفسهم بسرعة لأن الوقت ينفذ فالأشهر الأولى من السنة الجديدة ، ستشهد تقدم الدولة الوطنية السورية والجيش العربي السوري في طريق تصفية بؤر الإرهاب والقتل واستعادة الاستقرار كاملا . بالتوازي ستشهد سورية محطات جديدة من الحوار الوطني على مستوى المجتمع وعلى الحالمين بمقاعد وزارية ونيابية تباركها السفارات الأجنبية أن يستدركوا خيبتهم القادمة وأن يحجزوا مقاعد في قاعات الحوار الوطني في دمشق ، التي لن يطول زمن انتظارها للمجموعات الواقعة في فخ الحلف الاستعماري الرجعي والتي اختفى الإصلاح من خطبها لصالح أولوية الإذعان أمام إسرائيل فذلك هو الثمن الذي يطلبه الأميركيون من جميع من اعتبروا أن اعتراف واشنطن بهم أثمن من حرية شعوبهم و استقلال أوطانهم .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock