عالميمحلي

الولايات المتحدة وأوعية “السكر” المُرّ

يعد الحصار الأمريكي المفروض على كوبا منذ أكثر من 60 عاما، الأطول في تاريخ العالم، وهو نموذج ساطع للسياسة الأمريكية التقليدية التي تعتمد على العقوبات الاقتصادية للقضاء على خصومها.

وحين أصبحت  الولايات المتحدة الأمريكية قوى عظمى، تحولت العقوبات الاقتصادية إلى وسيلة تقليدية في ممارسة الضغوط على الخصوم وعلى الأنظمة التي لا تستسيغها لاستنزافها وإخضاعها، وإذا لم يتأت لها ذلك تخرج عصاها الغليظة وتضرب عسكريا في حملات غزو طالت عشرات الدول في مختلف بقاع الكوكب.

تفرض الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية على خصومها الدوليين، بحسب وزنهم وقدراتهم، وفيما تضرب الدول الصغيرة بعقوباتها بكل قسوة إلى درجة فرض حصار متكامل كما هو الحال مع كوبا منذ أكثر من ستة عقود، تحاول بصورة تدريجية وعلى المدى الطويل استعمال سلاح عقوباتها على الدول الكبرى بما في ذاك روسيا والصين، وتسوق في ذلك المبررات من خلال “شيطنة” أعدائها وإظهارهم على أنهم الخطر الوحيد الذي يهدد استقرار العالم ورفاهية سكان الأرض.

كوبا كانت نموذجا ظهرت فيه “القسوة” الأمريكية بوضوح كبير، إذ لم تستطع واشنطن أن تتحمل على حدودها وجود نظام “خارج عن طاعتها”، فلجأت منذ البداية إلى سلاحيها الاقتصاد والقوة العسكرية، وكان ذلك في المحطات الرئيسة التالية:

أصدرت الحكومة الأمريكية في 6 يوليو 1960، قانونًا لخفض واردات السكر الكوبي إلى الولايات المتحدة، وعرضت أيضا على كندا وحلفاء آخرين في الناتو واليابان مسألة “الإجراءات الصارمة ضد كوبا”، بما في ذلك خفض مشتريات السكر الكوبي ووقف توريد “المواد الاستراتيجية” إليها.

وافق مجلس الشيوخ الأمريكي في 24 أغسطس 1960 على تعديل لقانون المساعدة الخارجية، نص على أن أي دولة تقدم مساعدة اقتصادية لكوبا أو تبيع أسلحة لكوبا ستحرم من المساعدة الأمريكية.

حظرت واشنطن في 3 سبتمبر 1960، بيع الشاحنات وسيارات الجيب وقطع غيارها إلى كوبا، بالإضافة إلى “البضائع الأخرى التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية”.

فرضت الولايات المتحدة في 10 أكتوبر 1960 حظرا كاملا على توريد أي سلع لكوبا (باستثناء الغذاء والدواء).

وقع الرئيس الأمريكي جون كينيدي في 3 فبراير 1962، مرسوما يقضي بفرض حظر كامل على استيراد البضائع الكوبية وتلك المنقولة عبر كوبا إلى الولايات المتحدة.

كانت الولايات المتحدة قد هيمنت على الاقتصاد الكوبي منذ وقت مبكر/ وبحلول عام 1926، كانت واشنطن تمتلك 60% من صناعة السكر الكوبية وكانت تستورد 95 في المائة من منتجاتها، وفي انعكاس لهذه المكانة سميت كوبا “وعاء السكر الأمريكي”.

وبالتزامن مع بدء الولايات المتحدة فرض إجراءات حصار اقتصادي وبحري خانق على كوبا، قامت الولايات المتحدة بمحاولة إسقاط النظام الشيوعي في كوبا، من خلال غزو مسلح أشرفت عليه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، فسلحت كوبيين معرضين ونفذت عملية إنزال في خليج الخنازير، إلا ان الجيش الكوبي نجح في صد الهجوم بل وتمكن من إسقاط 12 طائرة أمريكية، كما نجحت هافانا في حماية سلاحها الجوي بإخفاء طائراتها الحربية ووضع هياكل وهمية في قواعد جوية تعرضت للقصف تمهيدا لهذا لغزو.

لم تستعمل الولايات المتحدة قوتها العسكرية كاملة في ذلك الحين، خوفا من رد انتقامي من الاتحاد السوفيتي، إلا أنها في تلك السنوات كما الآن تستعمل سلاح الحصار الاقتصادي بقوة ومن دون أي اهتمام بالاعتبارات الإنسانية.

مثل هذه السياسة القاسية تنفذها الولايات المتحدة الآن بحق سوريا، فهي لا تقاطعها سياسيا واقتصاديا بشكل كامل وحسب بل وتتحرك قواتها على أراضيها من دون تفويض أو أساس قانوني بعد أن دخلتها خلسة ومن دون إذن من دمشق.

وهكذا تواصل واشنطن خططها لخنق خصومها من موسكو إلى بكين ومن هافانا إلى دمشق، بعد أن دمرت بغداد وشاركت في خراب طرابلس، واحتلت أفغانستان لعشرين عاما، ولا تزال تواصل تقدمها إلى حدود خصومها شاكية باكية من سوء سلوكهم ومن نواياهم المبيتة.

سيريان تلغراف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock