مقالات وآراء

حقيقة إنقلاب الموقف الروسي من الرئيس بشار الأسد ؟

ترافقت قرارات اللجنة الوزارية العربية المصغّرة الأخيرة حول ضرورة تنحي الرئيس وتسليم السلطة في سورية الى نائب الرئيس فاروق الشرع، مع تصريحات ملفتة أطلقها مندوب الرئيس الروسي ميدفيدف الى افريقيا السيناتور ميخائيل مارغيلوف.

الاخير قال بأن الوضع في سورية وصل الى طريق مسدود، وهذا الكلام نقلته عنه الصحافة الروسية ولكن صحافة الثورة السورية التي تضم صحافة كل العملاء العرب للأميركيين ومعهم صحافة إسرائيل نقلوا عن الرجل جملة لم يثبت حتى الساعة من مصدر غير موالي لثوار الناتو في سورية انه قالها وجاء فيها : “إن الفيتو الأخير في مجلس الأمن كان إشارة واضحة للرئيس الأسد لكي يتحرك وينهي العنف ويطبق الإصلاحات، وينتقل بسورية تحت قيادته إلى الديمقراطية”، واضافت بعض وسائل ثوار الناتو، ومن ضمنها الجزيرة والعربية بعض البهارات الى كلام مارغيلوف فنقلت عنه : إن على الرئيس الأسد أن يوقف العنف ويُجري انتخابات رئاسية ونيابية فوراً !! سواء قال الرجل ما نُسب إليه أم لم يقله فإن اغلبية شعبية سورية صامتة وميّالة الى الاستقرار، شعرت بالرعب من هذا التصريح لأنه يعني لو كان قائله مُتحدثا بإسم روسيا الى مجلس الأمن، وليس مندوباً رئاسياً الى أفريقيا، كان عندها ليعني بأن الروس باعوا وإشترى منهم الأميركيون موقفهم السياسي في سورية ، فهل هذه فعلا هي الحقيقة ؟ في المقام الأول : السياسة الروسية والصينية طوال عقدين سابقين تعاملت مع الأميركيين بمنطق المعارضة لأجل رفع سعر البيع والشراء، وكان الاميركيون والاوربيون دوماً مقتنعين بأن روسيا لن تشكّل أي عائق أمام السياسات الأميركية حتى في صربيا وهي شقيق سلافي للروس وتمثل للروس ما تمثله سورية للبنان إثنياً ما هو المختلف إذاً في السياسة الروسية مع سورية في حين أن الروس باعوا ليبيا للناتو وخرجوا منها ببعض الفتات .

وبالتالي هل مارغيلوف كان مع الموقف الروسي من سورية في البداية ثم إنقلب الآن ليصبح ” جيفري فيلتمان الروسي” ؟؟ في الجواب على السؤال الثاني يُرجى من القرّاء أن يبحثوا عن إسم ميخائيل مارغيلوف فسيجدون انه الرجل الأميركي في البرلمان الروسي، وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية، ويمثل قناة البيع والشراء الرئاسية الروسية مع الغرب وهو يمثل الغرب في روسيا، ولا يمثل روسيا في الغرب .

الرجل منذ بدء الأزمة السورية قبل عشرة أشهر وهو يعلن جهاراً نهاراً مواقف أقل ما يُمكن وصفها به هو أنها مواقف تناهض توجهات الرئيس فلاديمير بوتين، وهو بالمناسبة ممثل المعسكر القومي – الليبرالي المخابراتي الروسي في الدولة بينما يمثل حليفه الشخصي مدفيديف قناة تصريف النفوذ الصهيوني – الغربي الليبرالي المحلي في الادارة الروسية وهو متقلب بين بينين، ولكن ادوات نفوذه اضعف بكثير من أدوات بوتين، لذا أجبره الاخير على عدم الترشح للإنتخابات الرئاسية المقبلة في منتصف اذار / مارس القادم والتي ستعيد بوتين الى الكرملين رئيساً في أيار- مايو.

إذاً مارغيلوف يمثل شكلاً من أشكال ونموذجاً من نماذج عملاء الغرب العرب ممن يعلنون مواقفهم لتمليق الغرب لا لأجل مصالح بلادهم ودورها على رغم أهميتها، إلا أنه ليس حاسماً والنظام الرئاسي الروسي لا يزال يدين ببقائه وقوته في مواجهة الغرب إلى مجموعة لوبيات وطنية شعبية وقومية و مخابراتية وصناعية وبترولية (وضمنها لوبي صناعة وتصدير الغاز).

هذه اللوبيات شكّلت المؤسسة الحاكمة في روسيا منذ سقوط يلتسين الذي سلّم روسيا للمافيات وللغرب والصهاينة ولكن اللوبي السابق الذكر جمع أوراق قوته واستعاض عن العمالة للغرب بمواجهة عملائه لأن القائمين عليه وجدوا أن بأيديهم أوراق قوة عسكرية وإقتصادية ومالية تمكنهم من إقتسام الجبنة الدولية مع الغرب بدل الحصول على رواتب شهرية هزيلة منه .

صبر هذا اللوبي حتى نال وتلاعب بموازين القوى العالمية حتى سخّرها لصالح روسيا وصالحه النفعي، وموقفه من ليبيا تجاري واما موقفه من سورية فليس موقف قداسة ومبادىء، بل هو موقف من يدافع عن بقائه أو رحيله حياته او مماته …. كلام المبالغة يبدو سهل التصديق في مضامينه، ولكنه كلام يقل كثيراً عن واقع الأمور وروسيا بوتين واللوبي المساند له، لا يقفون مع سورية حباً بها ولا شغفاً بالرئيس الأسد بل خوفاً على بلادهم وهذه هي الأسباب.

يرى الباحثون الروس الخبراء بالغرب كما بالدول العربية والإسلامية بأن من نتائج الربيع الإخواني في العالم العربي تمكين تركيا من إستلام زمام نفوذ إمبراطوري  خادم للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط وصولاً إلى شرق آسيا وووسطها، حتى القوقاز وبحر الآرال، وذاك النفوذ سيتجاوز سور الصين ويغزو أراضي روسيا والصين والهند بالفكر والإيديولوجيا وليس بالعسكر فقط.

ما يراه الباحثون الروس هو التالي : سواء كان الأمر بتخطيط مُسبق أم هو تقرير واقع فإن الدول التي نجحت فيها الإنتفاضات الشعبية أوصلت الإخوان المسلمين والوهابيين المتعصبين إلى الحكم في بلادها بشكل منفرد أو بمشاركة العسكر (كما هو حال مصر وتونس والمغرب) وكلا الطرفين يعتبر أن تركيا مرجعاً وحليفاً والروس يرون ان تركيا هي  أداة الأميركيين في إدارة هذا الوضع المستجد.

الخطير في الموضوع بالنسبة للروس هو واقع روسيا وبنسبة أقل واقع الصين والهند ، فالدول الثلاث تضم مواطنين مسلمين تبلغ أعدادهم على التوالي : ثلث الشعب الروسي – عشرة بالمئة من الشعب الصيني – ثمانية عشر بالمئة من الشعب الهندي.

حين يستتب الأمر للإخوان المسلمين والوهابيين ومعهم تركيا والأطلسي فما الذي يحتاجه الأميركي لإشعال ثورة شعبية إسلامية في أراضي الروس (وفي الهند والصين) غير نداءات تصدر من القاهرة ودمشق ومكة وإسطنبول .

بالنسبة لنا نحن العرب والمسلمين كنّا لنُساند ولنقاتل مع إمبراطورية تركية إسلامية أو عربية أو حتى هندية تريد تحرير فلسطين لا الإبقاء على كامب دايفد، ولكن كيف لمسلم ورع  أولعربي شريف أن يحترم أنطمة تزعم التأسلم وهي تقدس  الأخوّة الإسلامية الأميركية وفقا للنمط السعودي الوهابي الذي يريد إخوان مصر وسورية الاقتداء به مع العم سام .

واقع الثورات العربية يبشّر بأن الإسلام الذي يعلنون إنتمائهم اليه  ليس سوى الواجهة لتلك الحركات التي تسرق الثورات، وأما المضمون فهو تسلطي يشبه في تفكيره وفي ممارساته الحكومية ممارسة تحالف مطاوعة السعودية مع أمرائها

.التعصب الديني يفرض بالقوة على الشعوب، بينما يعيش الحكام في غي الليبرالية المالية والشخصية، وفي السياسة الخارجية يبرر مطاوعة الثورات بإسم الاسلام  التحالف والتماثل مع أميركا وإسرائيل بمحاربة شيطان الكفر (الشيوعي سابقاً والمجوسي الفارسي حالياً ومستقبلاً ).

يرى الروس وقيادة اللوبي القومي فيها مُمثلاً بداعمي فلاديمير بوتين بأن انتصاراً اطلسياً في سورية على ظهر الإخوان المسلمين والوهابيين المدججين بالكذب الإعلامي، وبالسلاح وبالمال الخليجي يعني وصول خطر مطاوعة الناتو إلى قلب روسيا، حيث يوجد ما يفوق الخمسة وسبعين مليون من المسلمين بحسب تقارير مخابراتية روسية .

هل ستعطي روسيا عصا المطاوعة الإيدولوجية في الشرق للأطلسي أم ستمنع حصول الغرب عليها ؟؟

سورية هي آخر سد في وجه أمبراطورية المطاوعة التركية … العاقل الروسي ماذا سيقرر ؟؟

كتب خضر سعيد – بيروت – عربي برس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock