مقالات وآراء

عوامل داخلية وخارجية تمنع أميركا من التدخل العسكري ضد سورية

يبدو أن “التقرير المهني” غير المسيس الذي صدر عن لجنة المراقبين العرب في سورية، كان بمثابة الصعقة الكهربائية من العيار الثقيل التي أصابت المولجين بتخريب الوضع الداخلي السوري بما يتناسب وصورة المشهد الجديد الذي تريده الولايات المتحدة والغرب للمنطقة والذي يُرسم بأيدي بعض الدول العربية.

فأخرج هؤلاء من أدراجهم الورقة الأخيرة التي تشكل بالنسبة إليهم جسر عبور آمن في اتجاه تدويل الأزمة السورية. فكانت المبادرة القطرية المستنسخة عن المبادرة الخليجية حول اليمن، وهي مبادرة جاءت متناقضة بالكامل ومضمون التقرير الذي صدر في اليوم ذاته عن المراقبين العرب. وهو ما يؤكد أن السيناريو الموضوع سلفاً للتعاطي مع الشأن السوري ينفّذ بإتقان، ولأن هؤلاء كانوا يعلمون مسبقاً أن مثل هذه المبادرة تلقي أيّ اهتمام من القيادة السورية التي اعتبرتها انتهاكاً للسيادة الوطنية وتدخّلاً سافراً في شؤونها الداخلية.

غير أن هؤلاء الغيارى على الديمقراطية وحرية التعبير في سورية والتي يفتقدونها في بلادهم، قد فاتهم أن هذه المبادرة التي لقيت صداها في اليمن، ستكون بالنسبة لسورية كمن يرمي حجراً في بئر خاوية.

إذ لن يكون لها أيّ مفاعيل لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الميداني، لأن الظروف التي أحاطت بالأزمة اليمنية مختلفة تماماً عن الأزمة في سورية، من هنا ينبغي على الجامعة العربية إعادة تصويب بوصلتها المصابة بارتدادات قوية نتيجة إسقاط بعض الدول العربية وفي مقدمتهم قطر قرارات وسياسات مستوردة من خلف البحار غريبة عن البيئة العربية الحقيقية، وتحمل “فايروس” يشتت الذهن ويذهب بالعقل، على النحو الذي يعانيه اليوم وزير خارجية قطر الذي يتصرف وكأنه الحاكم الناهي على مساحة العالم العربي، وأنه يستطيع فرض ارادته وتسويق ما في جعبته من مشاريع أميركية تصب في خانة العمل على تطويق سورية وازاحتها عن المشهد المقاوم في الشرق الأوسط، مقحماً بذلك بلاده ومعها العرب ممن يقتصر دورهم في الجامعة العربية على “طأطأة” الرؤوس والاستماع إلى “الفرمانات” القطرية المعلبة، واضعين أنفسهم في متاهات ومخاطر لا قدرة لهم على تحملها، فالجميع يعلم أنه من الصعب أن تكون سورية التي رفضت على مدى الاعوام السابقة كل المغريات، وانتصرت على كل الضغوطات، لقمة سائغة لأعدائها، وهي تعرف كيف تتفاعل بشكل جيد مع الظروف والتطورات مهما كان نوعها لإدراكها التام بأنها تسند ظهرها إلى صخرة قوية إسمها الإرادة الشعبية والقوى المقاومة بالإضافة إلى الموقف الصلب لكل من روسيا والصين.

وفي رأي مصادر مراقبة أن ما يسمّى بالمبادرة العربية كانت الورقة الأخرى لدى وزراء الخارجية العرب، وهي عبّرت بشكل واضح عن إفلاس هؤلاء، إذ إن بنود المبادرة، لا تمتّ إلى الواقع بصلة. وهي جاءت بمثابة تقويم “براءة ذمّة” قبل الانتقال إلى الشق الأخير من المؤامرة والرامي إلى تدويل الأزمة.

ولا تستبعد المصادر أن يكون القرار السعودي. بسحب المراقبين السعوديين مقدمة لانسحاب باقي المراقبين الذين أعدوا تقريراً وزّع المسؤوليات حيال ما يجري للقوى الأمنية النظامية والمجموعات المسلحة وهو ما يعكس واقعاً بأن المراقبين غرّدوا خارج السرب، ولم يحققوا النتائج المرجوّة منهم من قبل الذين إبتدعوا فكرة إرسالهم إلى سورية من أجل تشويه الحقائق، لتعجيل في استدعاء التدخل الدولي.

وفي رأي المصادر أن الجامعة العربية من خلال سلوكها في التعاطي مع هذه الأزمة، قد أحرقت كل المراكب مع سورية، وهي برهنت بشكل غير قابل لأية شكوك بأنها باتت مجرد أداة، وأن قرارها بات مصادراً من قبل بعض العرب الذين أصبحوا مرآة تعكس الإدارة الأميركية من خلالها رغبتها ومشاريعها على مساحة العالم العربي.

وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن عامل الوقت سيكون ذا تأثير كبير في تحديد مسار ما يجري، خصوصاً وأن الولايات المتحدة التي تعيش على وقع الهزيمة في العراق، وتتقلّب على صفيح ساخن في افغانستان،تستعدّ للانتخابات الرئاسية، وأنه بعد بضعة أسابيع تغلق إدارة أوباما الملفات الخارجية على الرفّ لتتفرغ للحملة الرئاسية الأميركية.

وهذا يعني أن التدخل العسكري الخارجي في سورية هو أمر مستحيل، وأن أحلام بعض العرب لن تتحقق، وأن حل الأزمة في سورية سيكون محصوراً بالقيادة السورية التي ستواصل الاصلاح بيد وستضرب البؤر الإرهابية باليد الأخرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock