مقالات وآراء

من قال إن الأسد سيسقط قبل أوباما أو ساركوزي؟

قبل أيام، سأل مسؤول دولي مرجعا رسميا لبنانيا عن رأيه في المبادرة العربية الأخيرة لتسوية الأزمة السورية. ابتسم المرجع، وأجاب ضيفه: أتحداك أن تحدد بالضبط ما هي المبادرة العربية وان تقدم تعريفا واضحا لها، حتى أعطيك رأيي فيها.

وأضاف المرجع: لقد كانت الجامعة العربية من أشد المتحمسين لإرسال المراقبين الى سوريا، فإذا ببعض الدول الأعضاء فيها تسارع الآن الى سحبهم. وكانت الجامعة تضغط لإطلاق حوار بين النظام بقيادة الرئيس بشار الأسد والمعارضة، فإذا بالنسخة الجديدة من المبادرة تدعو عمليا الأسد الى التنحي وتفويض صلاحياته الى نائب الرئيس، أي ان المطلوب منه الآن أن يلغي نفسه لا أن يتحاور مع المعارضة.

ولعل قرار الدول الخليجية سحب المراقبين العائدين لها من سوريا، في مقابل بقاء مراقبين آخرين ينتمون الى جنسيات اخرى، يعطي مؤشرا واضحا الى حالة التخبط التي تسود المجموعة العربية، فيما بدا كأن دمشق ربحت جولة تكتيكية في المواجهة المفتوحة مع «صقور» الجامعة العربية، بعدما جاء تقرير رئيس بعثة المراقبين أحمد الدابي ليقلب السحر على الساحر، من خلال توازنه في توصيف الواقع الميداني وعدم حصره المسؤولية عن سفك الدماء بأجهزة النظام، خلافا للتوقعات المسبقة لدى أصحاب «الملكية الفكرية» لمشروع المراقبين، الذين كانوا يفترضون أن مضمون التقرير سيؤمن التغطية لـ«التدويل المنتظر» وسيختصر الطريق نحو إحراج النظام تمهيدا لإخراجه، بعد ضبطه بالجرم المشهود، وهذا ما لم يحصل وفق السيناريو الافتراضي المعد مسبقا.

لا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أن استراتيجية النظام السوري في التعاطي مع الأزمة لا تخلو من الفجوات، وهناك بين حلفائه من يأخذ عليه أساساً افتقاره الى اللياقة البدنية في السباق مع الوقت، حيث كان من الأجدى على سبيل المثال ان يلقي الأسد خطابه الأخير، ليس مؤخرا كما فعل، بل قبل أشهر، لان المضمون الإصلاحي الهام الذي انطوى عليه هذا الخطاب فقد جزءا من فعاليته وديناميته نتيجة عدم ضبط ساعته على توقيت الأرض المتحركة.

وبرغم هذه المآخذ، يعتقد حلفاء دمشق أن الاسد ما زال أقوى مما يفترضه خصومه، وإذا كان هؤلاء يعدون الأيام لسقوطه، فإن الرئيس السوري يعد أيضا الايام الفاصلة عن موعد إجراء الانتخابات الفرنسية والأميركية، «وحينها من يضمن أن الرئيس نيكولا ساركوزي سيعود الى الإليزيه، وان الرئيس باراك أوباما سيعود الى البيت الابيض، ومن قال ان الرئيس السوري سيسقط قبل هذين الرئيسين أو أحدهما؟».

ولئن كان الحصار الاقتصادي هو أحد خيارات «الحرب النظيفة» على نظام الاسد، إلا ان «الحلفاء» يرون ان تأثير هذا الحصار لن يكون كبيرا ما دامت هناك حدود مفتوحة لسوريا مع بلدين هما العراق ولبنان، إضافة الى ان البوابة الاقتصادية مع تركيا لم تُغلق بعد، خلافا للبوابة السياسية. ثم ان ما يساعد سوريا كما إيران على مواجهة العقوبات، هو أنهما تعتمدان الى حد كبير على الاكتفاء الذاتي في العديد من المجالات الحيوية، من دون إغفال تحفظ الأردن على العقوبات الاقتصادية.

أما تركيا التي كان البعض يراهن عليها لشد الخناق على بشار الاسد، باعتبار انها يمكن ان تشكل قاعدة متقدمة للهجوم الدولي – الإقليمي، فهي استهلكت الكثير من زخمها وخسرت العديد من أوراقها، بسبب اندفاعها المبكر نحو إحراق المراحل،  وان الأكراد الموجودين في سوريا والعراق هم قنابل قابلة للانفجار في أي وقت، فضلا عن نقطة ضعف اخرى متصلة بالتأزم المتدرج للواقع الداخلي التركي.

وإذا كان البعض قد وجد في «النموذج اليمني» وصفة للتخلص منالنظام بأقل الخسائر الممكنة، إلا انه يبدو ان المتحمسين لهذا النموذج يجهلون أو يتجاهلون انه لا يمكن ان يسري حتى إشعار آخر على سوريا للأسباب الآتية: – ليست الثورات أو الأزمات في العالم العربي نسخة واحدة، ومن الخطأ التعامل معها وفق معايير واحدة، وبالتالي فإن المخارج التي تصح في هذا البلد لا تصح بالضرورة في بلد آخر.

– حظيت المبادرة الخليجية التي اعتُمدت لمعالجة الوضع اليمني بشبه إجماع عربي، بينما لا يتوافر هذا الإجماع في حالة الازمة السورية، حيث تتباين حسابات الدول العربية ومواقفها حيال هذه الازمة.

– افتقر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في «معركة البقاء» الى حاضنة إقليمية دافئة ونقطة ارتكاز دولية، في حين يتمتع الرئيس السوري بشار الاسد بـ«حماية روسية» ورعاية إيرانية.

– اصطفت الأغلبية الشعبية في الشارع اليمني ضد الرئيس صالح، في حين ان هذه الأغلبية، بمعزل عن حجمها، ما زالت الى جانب الرئيس الاسد في الشارع السوري.

– تعرّض الجيش اليمني لتصدعات حقيقية، على مستوى رتب عالية ووحدات مكتملة خرجت منه، بينما يحافظ الجيش السوري على تماسكه حتى الآن برغم بعض الانشقاقات الموضعية.

– ان إسرائيل لا تجاور اليمن، بينما تقع على حدود سوريا، مع ما تفرزه هذه «الجغرافيا السياسية» من معادلات استراتيجية تفرض التدقيق في الحسابات.

في هذا السياق، يروي أحد الظرفاء ان القائم بالاعمال السوري عبد المطلب الامين الذي كان معتمدا في موسكو في الاربعينيات من القرن الفائت، طلب موعدا من وزارة الخارجية السوفياتية للمراجعة في بعض الامور الروتينية.

لاحقا، تلقى الامين اتصالا أفاده ان اللقاء سيكون مع وزير خارجية الاتحاد السوفياتي، وكان هذا واحداً من ابرز أبطال الحرب العالمية الثانية.

فوجئ الامين بموعد لم يكن مستعدا له وراح يفكر بما سيقوله له عندما يلتقيه، الى ان وجد في «الطرفة السياسية» أفضل الحلول في مثل هذه المناسبات، فكان ان خاطب وزير الخارجية بالقول: انا أتيت لأطمئنك الى انه ليس لدى سوريا أي أطماع في الاتحاد السوفياتي! يضحك الراوي، ناصحا بعض العرب واللبنانيين باستخلاص العبرة من هذه الواقعة.

السفير – بقلم عماد مرمل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock