مقالات وآراء

احتمالات الحرب على ايران

قال دبلوماسي اميركي سابق في جلسة مغلقة عقدت مؤخرا في بيروت ان هناك شبه اجماع في الولايات المتحدة على ضرب ايران في العام 2012 لكن الاختلاف هو من يوجه الضربة الولايات المتحدة ام اسرائيل؟.

يعيدنا هذا الكلام الى ما نقله موقع الاستخبارات الاسرائيلي دبكا ونشره موقع انفو وورز الاميركي في تشرين الثاني 2011 من ان الرئيس الاميركي اوباما اتصل بعد انتهاء عمليات حلف الاطلسي في ليبيا بعدد من قادة الدول الحليفة وهي بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا واسرائيل والعربية السعودية واحاطهم علما بخطة اعدها لضرب ايران في وقت لا يتجاوز ايلول-تشرين الاول 2012 ما لم توقف ايران برنامج بناء الاسلحة النووية.

وجاء في تقرير دبكا ان حلف الاطلسي اعتبر ان اتصالات اوباما ليست توجيهات عامة لحلفاء الولايات المتحدة فقط بل هي اشارة من اجل نفض الغبار عن خطط الاطلسي المعدة سابقا لضرب ايران والتي كانت قابعة في ادراج الحلف منذ ثلاث سنوات وان هذه الاتصالات حثت الدول المذكورة على رفع جهوزية قواتها البحرية والجوية والصواريخ البالستية والصواريخ المضادة للصواريخ.

بات من المرجح ان يكون عام 2012 عام ايران في المنطقة في وقت يبدوالصراع على سوريا جزءا من هذه المواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة واسرائيل والغرب عموما وايران  خصوصا بعد ارتفاع حدة المواجهة في سوريا بين المعارضة المسلحة التي نفذت هجمات على الجيش والشرطة وتفجيرت على انابيب النفط والغاز وخطوط سكك الحديد والمباني الحكومية  وتحتجز رهائن ايرانيين وبين النظام الذي يظهر تماسكا ولم يحصل اي تصدع في بنيته.

اتخذت هذه المواجهة اشكالا دبلوماسية وسياسية وامنية واقتصادية اضيفت اليها في الاونة الاخيرة لمسات عسكرية مع ارتفاع لغة التهديدات بين فريقي النزاع.

اعتبر ستيفن هادلي مستشار الرئيس الاميركي السابق جورج بوش لشؤون الامن القومي ان ايران تنوي بناء اسلحة نووية وهو الامر الذي لن تقبل به الولايات المتحدة مطلقا  وان هناك مخاطر عالية جدا من نشوب نزاع مسلح بينها وبين الولايات المتحدة .

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال ان لدى كبار القادة العسكريين الاميركيين ومسؤولي البنتاغون قلقا متزايدا من ان اسرائيل تحضر من اجل تنفيذ هجوم على ايران.

اما اسرائيل فقد رفضت ان تستبعد الضربة العسكرية وفسر ذلك سفيرها في واشنطن مايكل اورين قائلا:”انها السياسة نفسها للحكومة الاسرائيلية ولادارة اوباما ,كل الخيارات تبقى على الطاولة , ومن المهم جدا ان يأخذ ايات الله في طهران هذه السياسة على محمل الجد.

” في الواقع يشكل الملف النووي الايراني هاجسا كبيرا لاسرائيل لكن الخطر الكياني عليها يتمثل في نمو حركات المقاومة في لبنان وفلسطين-غزة التي تتعاظم قدراتها بدعم من ايران وسوريا, لذلك كانت ايران المحور الاساس في سياسة اسرائيل الخارجية والدفاعية والامنية والتي تدور حولها كل التحركات السياسية والدبلوماسية الاسرائيلية.

ان الوضع الجيوبوليتيكيي لاسرائيل وافتقارها لعمق استراتيجي واسع, يحد من قدرتها على تنفيذ هجمات عسكرية ويجعل عملياتها تقتصرعلى القصف الجوي والصاروخي للاماكن التي تشتبه انها مواقع نووية ايرانية ,وفي حال تنفيذ الضربة فانها لن تكتفي بالاهداف النووية بل انها ستوسعها نحو المنشات الحيوية الايرانية.

لكن يبقى السؤال الحرج ,بعد القصف ماذا تفعل اسرائيل ؟سؤال لا يجد جوابا شافيا لا في اسرائيل التي تكتفي بتوريط الولايات المتحدة ولا في اوروبا الغربية والولايات المتحدة حيث يزداد القلق من اغلاق مضيق هرمز وتأثيره السلبي على تدفق النفط والازمة الخطيرة التي يسببها للاقتصاد العالمي المأزوم اصلا.

اضافت وول ستريت جورنال انه في مواجهة هذه الاحتمالات تحضر القيادة العسكرية الاميركية لردود ايران المحتملة على الضربة الاسرائيلية ومن ضمنها هجمات الميليشيات العراقية الموالية لايران على السفارة الاميركية في بغداد والمؤسسات الاميركية في العراق حيث يتواجد نحو 15 الف دبلوماسي وموظف فيديرالي ومقاول بقوا في العراق بعد انسحاب القوات الاميركية نهاية العام الفائت.

سبق لايران ان هددت مرارا انها في حال تعرضت لاعتداء عسكري فان رد فعلها سوف يكون قاسيا ويطاول اسرائيل والقوات الاجنبية المتواجدة في الخليج.

هددت ايران اسرائيل بقصفها بالاف الصواريخ التي تطاول كامل الاراضي الاسرائيلية وهددت تركيا انها سوف تقصف منشات حلف الاطلسي المنتشرة على اراضيها .

والجدير بالذكر ان محطات انذار الدرع الصاروخي التي تم تركيبها في ملاطية في تركيا وبدأ تشغيلها مؤخرا هي هدف طبيعي للضربة الايرانية المحتملة وخصوصا ان ايران تعتبر ان هذه المحطة تستهدفها,بالاضافة الى قاعدة انجيرليك الجوية الاميركية .

وهددت ايران ايضا الدول الصناعية انها سوف تغلق مضيق هرمز امام حركة الملاحة البحرية.

جاءت مناورات الولاية 90 في اطار اثبات قدرة ايران على الحركة في مياه الخليج والسيطرة على حركة الملاحة وخصوصا في مضيق هرمز.

في هذا المجال حذر قائد الجيش الايراني الجنرال عطاالله صالحي حاملة الطائرات الاميركية جون ستينيس التي غادرت الخليج باتجاه بحرعمان من العودة الى مياه الخليج مما احدث ذعرا في صفوف البحارة البالغ عددهم 5400 الذين تلقوا الاف الرسائل الالكترونية من ذويهم واصدقائهم للاستفسار عن التهديدات الايرانية وهذا ما دفع قائد الحاملة الاميرال كريغ فولر الى القول :”انهم لا يتركون طريقهم ويأتون الينا ليسعوا وراءنا ونحن لا نترك طريقنا ونذهب اليهم “.

ليس سرا ان ايران تظهر قدرات عسكرية وتخفي اخرى وانها تعتمد على العمق القاري الاستراتيجي وعلى القوة الديموغرافية و بالاضافة الى اسلحتها التقليدية والصاروخية تعتمد على الاعداد المتزايدة للمراكب البحرية الصغيرة والوحدات الخاصة التي تستطيع الافلات من التفوق التكنولوجي الاميركي.

فاذا طال امد الحرب وتعذر حسمها من دون تدخل بري تكون الولايات المتحدة قد انزلقت الى وضع يهدد نفوذها في المنطقة بشكل جدي وريادتها في العالم ايضا.

لكن الولايات المتحدة تظهر في المقابل تراجعا في خيار الضربة العسكرية و وتعلن انها تفضل الاجراءات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والمالية عوضا عنها .

في هذا الاطار وقع الرئيس اوباما قانونا يحظر التعامل مع البنك المركزي الايراني اي بمعنى اخر لاتستطيع اي دولة تحويل اموال مبيعات النفط الى البنك المذكور .

اصطدمت الولايات المتحدة باصرار حلفائها كوريا الجنوبية واليابان وتركيا على شراء امدادات النفط من ايران ويعني ذلك عدم قدرتهم على الالتزام بالقرار, بالاضافة الى الصين التي رفضت ايضا القرار الاميركي.

اما دول الاتحاد الاوروبي فقد قررت وقف التعامل مع البنك المركزي الايراني بغية التضييق على تجارة ايران ومبيعات النفط ومن المنتظران تتخذ قرارا بوقف شراء النفط من ايران والبالغ 450 الف برميل يوميا رغم الخلافات بين الدول الاعضاء .

اعربت المملكة العربية السعودية استعدادها لتأمين حاجات اوروبا من النفط عندما تتوقف عن التعامل مع ايران مما اثار رد فعل ايران  حيث اعتبر وزير الخارجية صالحي ذلك عملا “غير ودي”.

ويبدو ان قرارمقاطعة النفط الايراني يتلازم مع توفير الامدادات من مصادر اخرى بينها السعودية.

تحاول الولايات المتحدة تبريد مواقفها واتخذت لهذه الغاية خطوات عديدة ابرزها :

-الكشف عن رسالة وجهها الرئيس الاميركي اوباما لمرشد الثورة الاسلامية اية الله علي خامنئي. وقال النائب الايراني علي مطهري ان اوباما عرض في هذه الرسالة اجراء محادثات مباشرة مع ايران واعتبر ان اغلاق مضيق هرمز خط احمر. اكدت وكالة فارس الايرانية نبأ وصول الرسالة فيما أعلن الناطق باسم مجلس الامن القومي الاميركي تومي فيتور أن الرئيس اوباما قال أن لدى الولايات المتحدة عدة طرق لتنقل وجهة نظرها الى الحكومة الايرانية .

– انقاذ بحارة ايرانيين اختطفهم قراصنة صوماليون ورد ايران على هذه الخطوة بوصفها بالجيدة.

– تمرير رسائل اميركية عديدة الى اسرائيل لتحذيرها من مغبة شن هجوم على ايرام بشكل منفرد.

– اتصال الرئيس الاميركي اوباما برئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو وتحذيره من الهجوم على ايران.

– ايفاد رئيس الاركان المشتركة الاميركية الجنرال ديمبسي الى اسرائيل في زيارة تهدف الى اقناع قادة اسرائيل بصرف النظر عن الضربة.

-الغاء المناورات الاميركية الاسرائيلية المشتركة التي كانت تتضمن نشر ثلاثة الاف جندي اميركي في اسرائيل وتجربة نظم الصواريخ المضادة للصواريخ المعروف بالقبة الحديدية مما شكل نكسة للقادة الاسرائيليين .

-نشرت القيادة الوسطى على موقعها كلاما للسكرتير الصحافي في وزارة الدفاع جورج ليتل يقول فيه “ان الولايات المتحدة توضح انها تسعى الى ادنى درجة توترمع ايران,وتعتقد ان الامور قد هدأت خلال الايام الماضية.

وان وجود حاملتي طائرات في بقعة عمل القيادة الوسطى في الخليج هو من متطلبات حكمة اظهار القوة وليس عملا غيرعادي.”

رغم ذلك تبقى حرارة التوترعالية في المنطقة واذا اخذنا بعين الاعتبار اصرار ايران على الاقتصاص من قتلة العالم النووي الايراني مصطفى احمدي روشان فان الامور سوف تأخذ منحى تصعيديا .

هل تستجيب الولايات المتحدة لاجندة اسرائيل وتغامر وتقامر بضربة ايران ام ينتظر اوباما كي ينفذ الضربة في ذروة الحملة الانتخابية فتكون جواز مرور لولاية رئاسية ثانية تبعا للتقليد الاميركي الذي يدعم الادارة ايا كانت وهي في حالة الحرب؟ ام تنتصر الادارة الاميركية للحكمة ومصالحها الاقتصادية  ووقائع المنطقة وتطلق حوارا شاملا يحفظ الحقوق المشروعة لشعوب المنطقة ويجنبها ويلات الحروب؟ لم يعد الجواب بعيدا.

العميد الياس فرحات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock