مقالات وآراء

متغيرات دولية … ثبات روسي وايراني .. و سوريا الى الحسم ؟

فرضت تطورات الأيام الأخيرة على المعنيين بالشأن السوري أو المتدخلين فيه الاختيار بين الاستسلام أو الحسم بأيّ طريقة. وقد حشد الفريق المعتدي على سوريا كل ما يمكن أن تصل إليه يده بما في ذلك الأدوات غير المشروعة – وهي في الأعم الأغلب من الوسائل المستخدمة في العدوان – وانطلق هذا الفريق مستميتاً لتحقيق غايات المؤامرة بإسقاط سوريا التي تدافع عن نفسها وعن حقوقها الوطنية والقومية ونظامها المقاوم والممانع.

أ‌. لقد بدا الفريق المعتدي كأنه يشعر بنفاد الوقت، فينطلق في سباق مع الزمن ساعياً وراء إنجاز الملف خلال شهرين اثنين (حتى نيسان المقبل). ولذا نراه، تنفيذاً لأوامر أميركية، يتجه الى: 1) إجهاض مهمة فريق المراقبين العرب الذين جاؤوا أصلاً بناءً لإصرار هذا الفريق وتهويله. فخذلهم المراقبون إذ جاء تقريرهم بتوصيفٍ لبعض الحقيقة أذهل منظومة الكذب والتلفيق. فأرادوا الآن الاجهاز عليه حتى لا يكون دليلاً اضافياً على قوة سوريا وشرعية سلوكها. 2) تصعيد في وتيرة الأعمال الارهابية لتضخيم المأساة الانسانية للمواطنين السوريين، ثم استعمال هذا الامر ضد النظام الذي سيحرجونه لدفعه برأيهم الى واحد من اثنين: إما الرد العنيف والتسبب برأيهم في ارتكاب المجازر، أو الإحجام عن الرد وتقبّل خروج المناطق من يده. 3) اسقاط دور الجامعة العربية بعد أن تبين عجزها عن التأثير الفعلي على سوريا. فلا تعليق العضوية أفقد سوريا موقعها، ولا العقوبات الاقتصادية أدت الى انهيار الاقتصاد السوري – رغم أنها عاقبت بذلك الشعب السوري الذي يدعون أن العقوبات جاءت لنصرته، ولا التهويل بقوات ردع عربية أثر على الموقف السياسي او الأمني السوري. 4) محاصرة الموقف الروسي الذي يشكل صمام أمان لسوريا في مجلس الامن يمنع اي قرار عدواني عليها، والضغط عليها بمقولة “هل ان مصلحة روسيا تكمن في نصرة دولة عربية في مواجهة 21 دولة عربية اخرى مجتمعة؟”. وهي محاصرة يبتغون منها شلّ الدور الروسي في مجلس الامن لفتح الطريق أمام القرارات التي تصبّ في مجرى إنفاذ المؤامرة وإيصالها الى أهدافها. 5) التحضير الجدّي للاعتراف الرسمي بقيادة سورية بديلة تفرض على الشعب السوري من الخارج هدفها إسقاط النظام السوري من الداخل، والترويج لمرحلة انتقالية تشارك في قيادتها نظرياً هيئة مختلطة من المعارضة و”بعض شخصيات النظام”، وتكون واقعياً بإدارة خارجية. والاحتمال الثاني هو الاعتراف بحكومة في المنفى، وتشديد العقوبات ومحاصرة النظام حتى يستسلم. 6) التوجه الى مجلس الامن ضمن استراتيجية “القرارات الناعمة” التي تتجنب التلويح أو التهديد بالتدخل العسكري الأجنبي في سوريا. وهو أمر ظهر شبه إجماع دولي على استحالته أو على أنه مرفوض دولياً. وتعتمد بدلاً من ذلك آليّة إسقاط سلمي للنظام تحت شعارات مزيفة من قبيل “الانتقال السلمي للسلطة” والخيار الديمقراطي للشعب عبر إصدار قرار كالقرار 1559 ، يعيّن له ناظر يكون بمثابة المفوض السامي الذي يتدخل في الشأن السوري.

ب‌. في المقابل نجد ان سوريا ومن معها يواجهون المؤامرة عبر القيام بما يلي: 1) التمسك بمهمة المراقبين العرب، والتمديد لهم شهرا اضافياً مع ما يستلزمه هذا التمديد من عمل بالبروتوكول الموقّع مع الجامعة العربية، وخاصة لجهة السماح لوسائل الاعلام الاجنبية بتغطية الاحداث من دون مراقبة، والاستمرار في إطلاق سراح الموقوفين على خلفية الاضطرابات الاخيرة. 2) التمسك بحق الدولة في فرض الامن على اقليميها وعدم الخضوع للتهويل والابتزاز، والتصريح علانية بأن الحسم الامني حق من حقوق السلطة، لها أن تلجأ اليه لحفظ أمن مواطنيها مهما كانت المحاذير، لأن وحدة الوطن والشعب تبقى فوق أي اعتبار، ولأن التلكؤ عن هذا الحسم سيؤذي هذه الوحدة. و هنا قد يقول البعض لماذا تأخرت الدولة في قرار الحسم، والرد بسيط جدا: قبل تقرير المراقبين العرب كان الادعاء بأن “الثورة سلمية وان النظام يقتل شعبه” هو الرائج في الاعلام الدولي. اما اليوم وبعد ان أثبت المراقبون وجود المسلحين ووجود مناطق خرجت عن سيطرة الدولة بسبب هؤلاء، فان اعتماد الحل الامني لهؤلاء يصبح حتمياً. ولا يستطيع أحد بعد الآن لوم السلطة على ممارسة حقها في الحفاظ على البلاد. 3) التمسك بالمسيرة الاصلاحية التي أفصح عن خطوطها العريضة الرئيس بشار الاسد – وهي الخطة التي سرقتها الجامعة العربية بكل عناوينها وأضافت اليها عنواناً واحداً يغيّر من وجهتها وهو العنوان المتعلّق بالرئيس. 4) الثقة بالدور الروسي والمحافظة على العلاقات مع روسيا التي باتت تدرك أنّ المؤامرة على سوريا ليست من أجل الاصلاح، بل من أجل تغيير الموقع والدور الذي ستكون روسيا أول المتضررين منه. ومن المفيد هنا التذكير بما قاله سفير روسيا في بيروت: “نريد الامن والسلام لسوريا، وأن تتم الاصلاحات بقرارات داخلية، ونرفض التدخل الاجنبي في الشأن السوري، اما الحرب اذا وقعت فانها لن تبقى محصورة في سوريا وسيشارك فيها الجميع”. 5) اما عن السلطة البديلة، فان سورية أدركت منذ الاشهر الاولى لبدء المؤامرة عليها بأن الخطة تقوم على تصنيع الادوات. وعندما صنع “مجلس الغليون الاستنبولي” لوح وزير خارجية سوريا باجراءات ضد من يعترف بهذه الاداة. وأعطى التلويح ثماره، ولم يعترف أحد بمجلس الغليون، حتى الذين صنّعوه. 6) اما مجلس الامن فان تدخله من خلال الفصل السابع او التدخل العسكري او العقوبات، كلها أمور اوصدت الابواب في وجهها، ولن يكون للبيانات الانشائية التي قد يصدرها أثر عملي على مسار الاحداث. 7) و يبقى ان نتوقف عند التراجع التركي المبرمج عن السير كرأس حربة اقليمي ضد النظام السوري والعمل مع مجموعة الخليج، وتحوّل تركيا وجهتها نحو البحث عن صيغة ما مع ايران وروسيا تحفظ مصالح الجميع في المنطقة. وأول الخاسرين في هذا التحول هو محور التآمر الاقليمي الدولي ضد سوريا التي ستسفيد حتما منه لتسريع الحسم المطلوب.

وفي الخلاصة، نرى ان مسار الاحداث في سوريا رسم بعد أشهر الاضطرابات مسار حسم داخلي على وجهتين يقودهما النظام: حسم أمني في الشارع، وإصلاح سياسي يحسم مقولة التغيير والتطوير. وفي المقابل سيجد فريق المؤامرة يده تفرغ من الأوراق الواحدة تلو الاخرى، كما أن ورقة الارهاب لن تخدمه طويلاً، وسيجد جمعه يتفرّق يوماً بعد يوم.

 بقلم د. امين محمد حطيط

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock