مقالات وآراء

بكركي – حزب الله الحوار حتما

بين بكركي و حارة حريك طريق طويل و شاق وغير معبّد بفعل ترسبات سنوات عجاف خلت، قد يخفف من صلفها رغبة حزبٍ بالانفتاح و تصويب النقاش و ايمان بطريركٍ بالشراكة والمحبة.

القصة بدأت مع لحظة التغيير الكبير التي حلّت على الصرح البطريركي والتي تمثلت باستقالة البطريرك نصرالله بطرس صفير وانتخاب مار بشارة بطرس الراعي بطريركاً على انطاكيا و سائر المشرق. “شقلب” الراعي معادلة شكلت نقطة خلاف عميق لسنوات، فاستبدل مبدأ أن “لا حوار بوجود السلاح” بأن “لا مشكلة مع سلاح المقاومة للدفاع عن لبنان الى حين ايجاد البديل ” أي تسليح الجيش بما يمكنه من القيام بالمهمة “عندها سأنزع السلاح بنفسي”. التقط الحزب الاشارة ونحو بكركي درّ.

تفقد البطريرك رعيته شمالاً و جنوباً، بقاعاً و جبلاً وكانت الاستقبالات عفوية و غير متوقعة خصوصاً في المناطق الشيعية حيث كان وقع كلام سيد بكركي في قلب ابناء هذه الطائفة كالعسل. انتهت المراسم وبدأ العمل الجدي، الجميع يريد الحوار ولكن أيّ حوار…؟ المطلوب حوار جدّي يلامس جوهر الامور لا القشور.

أيقن حزب الله أنه بفعل المتغيّرات الاقليمية والدولية أصبح التلاقي ضرورة حتمية وتؤكد مصادر معنية فيه ” نحن لا نريد من البطريرك أن يؤيّد كل مواقفنا و توجهاتنا ولكن ان يتفهمنا وأن يكون مستعداً لتقبلنا والموافقة على أن الحوار معنا هو الذي يوصلنا الى نتائج فيها مصلحة الوطن بكل مكوناته، وهذه المواصفات متوفرة في شخص البطريرك ما سهّل الانتقال الى الشقّ العملي ودفعنا لتشكيل وفد المبادرة تجاه بكركي”. وردّت بكركي التحية بالمثل فزار وفد من المطارنة سيد المقاومة وكان لقاء رسمت فيه الخطوط العريضة للحوار.

ثمة ثوابت لا تتزعزع لدى كلا الطرفين وهي ما يعرف بالقضايا الوطنية الاساسية ،وتسعى بكركي للنأي بنفسها عن زواريب السياسة الداخلية وعن قواعد الاشتباك فلا تناول للراهن التكتيكي ولا مقاربة مباشرة للسلاح والاهم هو كيف يمكن للبنان أن يكون قوياً وسط ما يجري حوله وهذا يأخذها الى خط بياني جامع هدفه حماية المسيحيين في لبنان والمنطقة والوقوف في وجه التطرّف الذي يريد خلق فتنة سنية-شيعية و مسيحية- اسلامية تؤدي لتفريغ المسيحيين وابعادهم. اما حزب الله وبالاضافة الى ما تقدم “لا ضرر من استقطاب المزيد من المسيحيين وافهامهم أن قوتهم من قوّتنا وسيكونون بأمان معنا لاننا الاقوى”.

كلا الطرفين يعلم ان التعاطي بينهما تحكمه الواقعية وانه ليس من الممكن الاتفاق على كل شيء ولكن لا بأس من تنظيم الخلاف.

لماذا بكركي وليس كل رؤساء الطوائف المسيحية؟ يجيب مصدر الحزب أن “لبكركي رمزية دينية سياسية ولكننا سنناقش ما سيتم التوصل اليه مع الجميع”. علما أن لقاء سيّدي بكركي والمقاومة سيتم حين تتوافر الظروف الموضوعية الملائمة.

بعد اسبوع من اللآن تبدأ لجنة الحوار اجتماعاتها بعيداً من الاعلام دون تصوّر مسبق الى ما ستؤول اليه الامور هل تنتهي بتنظيم الخلاف أم بورقة تفاهم أم بتوصيات؟ مع الاشارة الى أن عمل هذه اللجنة واقع بين استحقاقين: جولة البطريرك الراعي على بيروت والمواقف المرتقبة في عيد مار مارون ،و الزيارة المنتظرة للبابا بينيديكتوس السادس عشرفي أيلول المقبل الى لبنان والتي قد تكرّس –في حال نجاح الحوار- نموذجاً يحتذى من التعايش الاسلامي –المسيحي في زمن الديمقراطيات المستوردة، وترسخا في مَشرقٍ لا يمكن ان يكون مُشرقاَ دون كنيسته.

سمر أبو خليل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock