عالميمحلي

سورية وأردوغان .. انقلاب السحر على الساحر

يبدو رئيس وزراء تركيا “رجب طيب أردوغان” في وضع لا يحسد عليه؛ فكل ماطالب به، وخطط له، وكل تهديداته ووعيده، وكل مشاريعه وأحلامه بخصوص سورية لم تتهاوى فحسب بل ارتدت عليه وفق ترتيب غريب للقدر، وبعناية إلهية ساخرة.

منطقة عازلة في تركيا:

لقد كانت تركيا رأس حربة مشروع إقامة منطقة عازلة، وتم تداول أسماء عدة مناطق كأماكن محتملة. وأصبح مشروع المنطقة العازلة عماد خطة الحل التركي للأزمة السورية، تنادي به، وتحاول اقناع الدول الكبرى بدعمه. ولسخرية القدر فقد أقام حزب العمال الكردستاني منطقته العازلة العصية على الجيش في “شمدينلي” في جنوب شرق البلاد، ويعمل باستمرار على توسيعها بعد أن بات يرى في نفسه القوة والقدرة الكافيتين للانتقال من حرب العصابات إلى الحرب النظامية.

وإذ نفى “أردوغان” وجود هذه المنطقة، مؤكداً سيادته على كامل المناطق، فإن الأعداد الضخمة من الضحايا تكذبه. وعلى أية حال فهو لم يقبل تحدي حزب العمال بالتوجه إلى منطقة “شمدينلي”. وذلك يذكر بالتحدي الذي وجه للرئيس الأسد يوماً لزيارة باباعمرو.

“شبيحة” في تركيا لحماية النظام:

ورغم أن مفاوضات السلام بين تركيا وحزب العمال كانت قد لحظت ضرورة حل تنظيم “حماة القرى”، والذي هو ميليشيا مسلحة شكلتها تركيا من بعض العشائر والعائلات الكردية الموالية لها، فإن السلطة تنصلت من الأمر، واستمرت على دعم هذه الميليشيا التي اشتهرت في فترة سابقة بتمويل نشاطاتها من تجارة المخدرات.

وفي المرحلة الحالية وقع على هذه الميليشيا عبء إقامة الحواجز على الطرقات، ومحاولة وقف تقدم حزب العمال.

“المعارضة الوطنية”: الحل الأمني بمفرده لا يحقق تقدماً

وكان حزب الشعب الجمهوري المعارض قد انتقد أداء السلطة في الموضوع الكردي متهماً إياها باعتماد الحل الأمني منفرداً وضرب الحل السياسي السلمي. وأقام ورشة عمل تمخض عنها ثمانية اقتراحات أساسية لحل الأزمة، وناقشها رئيس حزب الشعب “كمال كيليتشدار أوغلو” مع “أردوغان” في اجتماع انتهى بالفشل بسبب اصرار “أردوغان” على رفض الحوار.

إعلام السلطة: هناك مؤامرة خارجية

بالنسبة للإعلام الموالي لـ”أردوغان” فإن هناك دولاً وقوىً خارجية (سورية وإيران) تقفان وراء كل هجمات حزب العمال. وبمعدل مرة أو مرتين كل أسبوع تنشر إحدى وسائل إعلام السلطة تفاصيل ما تسميه مؤامرة جديدة ضد “وحدة الأرض والشعب التركيين”. ومؤخراً اتهمت سورية بالوقوف وراء هجمات “أورفه” التي قام بها حزب العمال.

انشقاقات هنا، وانشقاقات هناك:

“عبد اللطيف شنر” المعاون السابق لرئيس الوزراء “أردوغان” قدم استقالته في لحظة اشتد فيها صدام التيارات المتقاتلة على منصب رئاسة الجمهورية. وأجرى مؤخراً مقابلة مع قناة “أولوسال” هاجم فيها بشدة رئيسه السابق متهماً إياه بأنه ألعوبة بيد الأمريكيين. وكان قد أسس حزباً لم يكن على قدر النجاح المتوقع له.

ومن المستقيلين (المنشقين بحسب علم المصطلحات الجديد لقناة الجزيرة) عضو مجلس الشعب “تورهان تشوميز” الذي هاجم وزير المالية “كمال أوناكيتان” على خلفية اتهامات بالفساد، وطالبه بالاستقالة قائلاً: «كفى! لقد أصبحتم عبئاً على الحزب والدولة. ولم نعد قادرين على تحملكم. استقيلوا! لقد بيضتموها (الأموال) على الورق ولكن ليس في الضمائر»

والعضو الآخر “فؤاد غيشين” الذي صرح قائلاً: «الناس صوتوا للحزب على أنه كالملح. يبدو أن الملح بدوره صار يصدر الروائح الكريهة»

غضب شعبي يزداد:

لقد زاد تواتر المظاهرات الساخطة في تركيا. منها في الفترة الأخيرة مظاهرات للمعلمين احتجاجاً على قانون التعليم الجديد “4+4+4، ومظاهرات متضامنة مع الكتاب والصحافيين المعتقلين بتهمة التخطيط للانقلاب على الحكومة، ومظاهرات نقابية، وكردية، وعلمانية، ومظاهرات مناهضة لما تعتبره قمعاً مذهبياً.

ومن التطورات البارزة في الفترة الأخيرة هو الليلة المشهودة التي عاشتها مدينة أنطاكية، ذات الغالبية العربية، مطالبة بتغيير السياسة التركية العدائية اتجاه سورية. وكانت ليلة حافلة استعادت خلالها أنطاكية لقب “المدينة المتمردة” الذي عرفت به خلال عقد السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي، وذلك على حساب لقب “مدينة التسامح والمحبة” الذي اشتهرت به خلال العقد الأخير.

وللمفارقة فإن الإعلام الموالي لاحظ وجود “عناصر مندسة” تقف وراء مظاهرات أنطاكية، وناشدت الشعب عدم الانجرار وراء من سمتهم بالمخربين.

تركيا بحاجة لارسال مراقبين دوليين:

إلى جانب النقاشات المتعلقة بوجود أو عدم وجود سيطرة فعلية لحزب العمال في مناطق معينة فإن الطرفين يتبادلان التهم بارتكاب جرائم قد ترقى لاعتبارها جرائم ضد الإنسانية. ومع عدم امكان توثيق كل الاخلالات ضد حقوق الإنسان في المنطقة الكردية، وعدم معرفة الواقع الفعلي، فإن ثمة حاجة فعلية لارسال مراقبين يقفون على حقيقة الوضع .

سيريان تلغراف | عربي برس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock