مقالات وآراء

سورية تكسر حلقات المؤامرة

لعل من أكثر ما يهز أوصال الحلف المعادي لسورية، الممتد من بعض الداخل السوري إلى عرب “الاعتدال”، مروراً بالكيان الصهيوني والمجنسين الفرنسيين، كساركوزي وغليون، وانتهاء بواشنطن، هو تلك الدبلوماسية الهادئة والباردة التي تجيد تماماً النظر والتطلع إلى كامل مساحة اللعبة، وتاريخ تشكيلها ومكوناتها، فتتصرف بحكمة وحنكة نادرتيْن، وتجمع المزيد من الأوراق بين يديها، تصفع بها الوجوه الكالحة عند الأوان اللازم.

كيف عرضت مشيخة خليجية الرشوى على روسيا؟

يروي دبلوماسي خليجي، أن برودة الدبلوماسية وهدوء أعصابها، أغرت قبل عدة أسابيع زعيم دبلوماسية إحدى المشيخات، لأن يتقدم بعرض يسيل له لعاب كل من في نفسه رخص أو دناءة، ظناً منه أن تجربة الخدام والغليون قابلة للتعميم، فعرض 150 مليون دولار، وبعضهم يقول 250 مليون دولار، على حكيم الدبلوماسية السورية، من أجل أن ينشق عن النظام، فما لقى إلا الصد، وسمع كلاماً قاسياً يصفه هذا الدبلوماسي الخليجي بقول: “كنت أسمعت لو ناديت حياً.. لكن لا حياة لمن تنادي”، ويعتبر أن تلك الحادثة قد تكون جزءاً من التسعير العدائي العربي، خصوصاً الخليجي، ضد سورية، وربما هذا ما جعل وزير الخارجية السورية وليد المعلم يتمنى في مؤتمره الصحفي الأخير “على العرب أن يسهموا في حل الأزمة السورية، لا أن يكونوا عبئاً على سورية”.

السياسة الخليجية على ما يبدو أضحت تقوم على قاعدة الرشاوى، حيث يؤكد دبلوماسي أوروبي شرقي أن إحدى المشيخات وصلت إلى حد عرض الرشوى على دولة كبرى من وزن روسيا، حيث أبدت هذه المشيخة استعدادها لتقديم خمسة مليار دولار على موسكو، من أجل تغيير موقفها من سورية.

ويصف الدبلوماسي الأوروبي هذا التصرف بالأرعن والأحمق والغبي، لأنه يكشف عن حقيقة واحدة؛ أن مشيخات الخليج لا تعرف حجم المصالح والعلاقات الدولية، كما أنه ينم عن فهم قاصر للتطورات الكبرى التي تشهدها المنطقة.

وبرأي هذا الدبلوماسي الأوروبي الشرقي، أن السياسة الأميركية رغم اخفاقاتها وهزائمها، لا تستطيع أن تعيش من دون خلق بؤر للتوتر، وهو المبدأ الذي عمل ونظّر له بريجنسكي، الذي رأى أن على واشنطن أن تخلق بؤر توتر بشكل دائم لتبرير تدخلها، لكن واشنطن صُفعت في أكثر من منطقة من العالم، ووصلت هذه الصفعات إلى عقر دارها، ويعدد هذه الصفعات:

– صُفعت في العراق بشكل مدوٍّ، حيث اعترف بأكثر بـ4500 قتيل، وبأكثر من عشرين ألف جريح، وأكثر من خمسة آلاف مشوّه ومُقعَد من جنودها، معتبراً أن هذا الرقم غير حقيقي، وهو يقترب من أكثر من مئة ألف قتيل وجرح ومشوّه، لافتاً إلى أن البنتاغون لا يعطي أسماء المهاجرين الجدد ومن يحملون البطاقات الخضراء “غرين كارت” الذين يقضون في الحروب.

– صُفعت أميركا ومازالت في أفغانستان، حيث تزداد أرقام خسائرها، وها هي الآن تتلقى صفعة من باكستان، حيث هناك خلاف جوهري بين إسلام آباد وواشنطن، ومؤخراً منعت إسلام آباد إمداد القوات الأميركية في أفغانستان عن طريق باكستان.

– واشنطن تتلقى الصفعة تلوى الأخرى من فنائها الخلفي في أميركا اللاتينية، في الوقت الذي تزداد موجات العداء الشعبي الأوروبي للولايات المتحدة، وتقوم المظاهرات ضد قواعدها العسكرية، كما هو حاصل في ألمانيا على سبيل المثال لا الحصر.

– وها هي الآن الصفعات في الداخل الأميركي، حيث الأزمة المالية العاصفة، وتباطؤ النمو، بشكل أن نمو الصين أصبح أكثر بثلاثة أضعاف من الولايات المتحدة، لدرجة أن البنك المركزي الصيني أنقذها عام 2008 من الانهيار المالي.

لكن الولايات المتحدة لا تستطيع الاستمرار من دون خلق التوترات، إذن، لا بد من بؤر توتر تخلقها واشنطن وهي في طور انسحابها العسكري وهزائمها في المنطقة، ولا بد من وكيل عنها يغذي هذه البؤر، حسب رأي الدبلوماسي الأوروبي الشرقي، الذي يؤكد أن السعودية ملتهبة بمشاكلها الداخلية على مستوى العائلة الحاكمة وصراع الأجيال فيها، وعلى مستوى الواقع الاجتماعي وحرية الرأي والتعبير والتحرر الاجتماعي.

والسعودية لها مشاكلها مع إيران بفعل التدخل الأميركي الذي منع تطوير العلاقات بين البلدين نحو الأفضل، فيما لها مشاكلها مع العراق التي لم تعرف كيف تنسج علاقات حسنة معها، وبقيت تخضعها لأوامر الأميركي، ومصر ملتهبة بأزماتها التي تتفرع وتتعدد، وهنا كان لا بد من البحث عن طرف ثالث، فكانت قطر؛ ذات العدد السكاني المحدود، الذي لا يتجاوز مليون ونصف مليون قطري، بينما دخلها من النفط والغاز يكفي لأكثر من مئة مليون، والتي كانت في الفترات الماضية قد بنت علاقات مع الجميع: مع سورية وإيران والفلسطينيين والمقاومة اللبنانية، كما أن لديها محطة الجزيرة التي تبلغ ميزانيتها أكبر من ميزانية دولة، وفيها أكبر قاعدة جوية أميركية، ولها علاقات واسعة مع الكيان الصهيوني.

وهكذا صارت المشيخة الصغيرة وكيلة للأميركي، وفتحت أبواب البيت الأبيض أمام الدور القطري، الذي بدأ تمويل الخطة الأميركية من مختلف الأبواب:

– من باب الجامعة العربية، التي اشترت رئاسة دورتها التي ستنتهي في آذار المقبل من سلطة محمود عباس في مقاطعة رام الله.

– من الباب التركي، حيث كان لشلة أردوغان – أوغلو نصيبها من كرم المشيخة، في نفس الوقت الذي أرادت هذه الشلة التركية أن تؤكد لأسيادها أنها لا تزال أطلسية، وهي تريد دوراً في هذا المجال في إطار من الأتركة الجديدة.

كان المشروع الأميركي وما يزال، وقف الهزيمة وتحويلها إلى انتصار، وذلك لا يتم إلا من خلال القلب النابض الذي يضخ دماء المقاومة في وجه المشروع الأميركي – الصهيوني، وهو ما تولته المشيخة الخليجية على شتى المستويات: دفق مالي للزمر والجماعات التخريبية من منشقين عن النظام، كعبد الحليم خدام، وأخرى مطلوبة بجرائم وجنايات وهاربة في دنيا الله الواسعة، كالغليون والقضماني وطيفور.. وغيرهم.

وهكذا تولت المشيخة الخليجية تمويل الإرهاب في سورية، فموّلت على طريقة “إسرائيل” في لبنان، حينما اجتاح الجنوب في 14 آذار 1978، ما يسمى “جيش لبنان الحر”، بقيادة الرائد العميل سعد حداد، فكان جيش سورية الحر بقيادة المشبوه رياض الأسعد، وكان مجلس اسطنبول بقيادة الفرنسي برهان غليون، وهو من أصول سورية، مع ما فيه من حملة جنسيات أجنبية وعربية مختلفة، وكما تؤكد المعلومات فإن الجيش السوري الرديف لجيش سعد حداد اللبناني تلقى تدريباته في الأردن وأربيل ولبنان، على يد أميركيين وأردنيين، كما موّلت المشيخة متطرفين من أصحاب الخبرة في أفغانستان والعراق، وتم نقلهم عبر الأردن ولبنان، وهو ما كشف عنه وزير الدفاع اللبناني فايز غصن، الذي أكد المعلومات التي تتحدث عن عمليات تحصل عند بعض المعابر غير الشرعية بين سورية ولبنان، لاسيما في منطقة عرسال، حيث يتم خلالها تهريب أسلحة ودخول بعض العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة على أنهم من المعارضة السورية.

ومهما يكن، فإن التلاعب الخارجي من مناورات عربية – خليجية وضغوط وتهديدات أوروبية – أميركية، وتشويه من شبكات الإعلام العربية والدولية، كالجزيرة والعربية وبي.بي.سي وفرانس 24، إضافة بالطبع إلى الإعلام “الإسرائيلي”، يؤكد على حقيقة واحدة، وهي أن سورية استطاعت الوقوف في وجه المؤامرة الكبرى التي صارت في حلقتها الأخيرة.. والثابت أن مسيرة الإصلاح بقيادة الرئيس الأسد هي حاجة سورية وليست أبداً ترفاً.

أحمد زين الدين- الثبات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock