مقالات وآراء

أردوغان وهنتنغتون وحسابات الحقل والبيدر .. بقلم أحمد النظيف

منذ السابع عشر من ديسمبر 2010 لحظة انطلاقة الربيع العربي / الانتفاضات العربية / ثورات الفوضى الخلاقة / المؤامرة الكونية على الوطن العربي , أسماء كثيرة لمسمى واحد ,زلزال سياسي يجتاح المنطقة يسقط أنظمة و يقيم أخرى و يعود بالمعارضين من المنافي الباردة إلى قصور الحكم , لتنطلق و بالتوازي العديد من القوى الإقليمية و العالمية في خدمة مصالحها و من بينها تركيا , دولة مترامية الأطراف ,ذات جغرافيا طبيعية و سكانية معقدة مصابة بأمراض المنطقة من طائفية و عرقية و صراع تاريخي بين العلمانية و “الاسلاموية” .

فجأة تحولت الدولة الصديقة لجيرانها بما فيهم “إسرائيل” إلى دولة عدوة للجميع و ظهر أردوغان بخطاب شعبوي يعزف على وتر العاطفة الجياشة مطالبا مبارك بالرحيل و مهددا القذافي بالويل و الثبور و عظائم الأمور و لكن حمار الشيخ قد وقف في العقبة السورية , حاول أردوغان جاهدا أن يلعب ذات الدور في الساحة السورية و ألقى بثقله في الصراع الدائر ’ تسليحا و تمويلا و حماية و دعما ’ غير أن رياح الواقع السوري أتت بما لا يشتهي “العثماني الجديد ” و لكن سؤال يطرح في هذا السياق لماذا تحولت مواقف  أردوغان و حزبه الإسلامي من سورية و ما هي دوافع هذا الدور الذي تقوم به تركيا في المنطقة اليوم ؟؟؟

أردوغان و هنتنغتون و حسابات الحقل و البيدر

يعود هذا الطموح “الاردوغاني” في أن تكون تركيا القوة الأولى في المنطقة إلى سنة 2005 حين زار الكاتب والمفكر الأميركي صموئيل هنتنغتون اسطنبول صاحب الكتاب الأشهر في العقد الأخير ” صدام الحضارات” و تلميذ المستشرق برنارد لويس ملهم سياسات “الشرق الأوسط الكبير” و ألقى هنتنغتون خلال اجتماع حمل عنوان “متحدثون شهيرون” دعا إليه مصرف أي كاي التركي محاضرة زبدتها أيها الأتراك “دعوا أوروبا.. وتولوا قيادة المسلمين” شعار يتوافق مع ما طرحه في كتابه  بضرورة وجود دولة قيادية في الإسلام فهذا حسبه “أمر جيّد للإسلام وللعالم على حدّ سواء.”

انطلق هنتنغتون في محاضرته بطرح تساؤل مفاده كيف سيُحدَّد الدور التركي في هذا العالم الجديد؟ تساؤل سال له لعاب القيادة “الاردوغانية” فهي تنتظر أجندة جاهزة من رجل يمثل و لو رمزيا الدوائر الحاكمة في واشنطن .ثم تحدث المحاضر عن ثلاث محاور محددة لهذا الدور المستقبلي و هي الثقافة و الحرب و النفوذ محللا طبيعة الكيانات القائمة في المنطقة من خلال الجغرافيا الطبيعة و السكانية و الخلفيات التاريخية و علاقة كل ذلك بمراكز النفوذ العالمي .

أما بيت القصيد في هذه المحاضرة فهي الدعوة الصريحة التي أطلقها هنتنغتون لأردوغان و حزبه بالكف عن المطالبة بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي و الزهد في ذلك لعدة اعتبارات ساقها تحت عنوان “الخيارات المتاحة أمام تركيا في السياسة العالمية الجديدة” إذ يقول “ومن شأن تركّز النفوذ في بروكسل أن يحدّ كثيراً من حرية تركيا في التحرّك في المجال الاقتصادي وسواه من المجالات. وسيكون على تركيا أيضاً أن تتكيّف مع العضوية في نادٍ اعتبر كثر أنّها لا تنتمي إليه. وستنعدم قدرة تركيا على تنفيذ سياسة خارجية مستقلّة في الشرق الأوسط أو أيّ مكان آخر. في شكل عام، الاحتمال كبير جداً بأن ينتهي الأمر بتركيا في الاتحاد الأوروبي، لكن ليس منه، بحيث ستكون كياناً مسلماً كبيراً في مجموعة تحدّد نفسها أكثر فأكثر انطلاقاً من إرثها المسيحي. في العديد من البلدان الأوروبية، برز المزيد من الشكوك العامّة حول منافع الاتحاد ومستقبله، الأمر الذي انعكس في الجدل حول التصديق على مسودّة الدستور. ومن المحتمل جداً أن تنخفض مع مرور الوقت المنافع الصافية التي تحقّقها تركيا من عضويّتها في الاتحاد الأوروبي.”

ثم ينبري هنتنغتون في الدفاع عن أطروحته قائلا  ” كما شرحت في كتابي عن “صِدام الحضارات”، وجود دولة قيادية في الإسلام أمر جيّد للإسلام وللعالم على حدّ سواء. ويبدو لي أنّ تركيا أنسب من غيرها لتأدية هذا الدور… الإسلام في حالة فوضى وهو أشدّ انقساماً بكثير من أيّ حضارة أخرى وينتشر أكثر من سواه من الحضارات في مناطق متنوّعة جداً من العالم. لا يغذّي غياب دولة أو دولتين قياديّتَين معترف بهما عامةً في الإسلام الانقسامات الداخليّة والنزاعات الخارجية وحسب بل يحدّ أيضاً وفي شكل كبير من تأثير الإسلام في شؤون العالم”

و يختم هنتنغتون محاضرته بالقول إن ” السياسات الخارجية والأمنية التركية ، بقيت طوال عقود مجمّدة في نمط من أنماط الحرب الباردة كان يخدم مصالح البلاد جيداً. لكن في هذه السياسة العالمية الجديدة، ليس أمام تركيا من خيار سوى التخلّي عن عقائد الماضي وتكييف سياساتها لمواجهة المخاطر والتحدّيات والأمور غير القابلة للتوقّع، وعدم الاستقرار وتعقيدات هذا العالم الجديد حيث تجد تركيا والولايات المتحدة والآخرون أنفسهم.”

تلقف أردوغان و أصحابه هذه الفكرة و ترصّد اللحظة المناسبة و انطلق في الاهتداء بالمنهج “الهنتنغتوني” فأنخرط بكلّيته في موجات ” الربيع ” ليحوّل تركيا من دولة ذات صفر أزمات إلى بلد يعج بها , مشاكل مع العراق و نهاية الود مع إيران و حرب غير معلنة مع سوريا , سارت الأجندة بخطى ثابتة و ناجحة في الملف التونسي و المصري و الليبي و تعثرت في دمشق , ليكتشف أردوغان أنه  يلعب بالنار فتركيا ليس استثناءا عن دول المنطقة بل هي نسخة منها بمشاكلها و توازناتها العرقية و الطائفية و الجغرافية لها أكرادها و علويوها و سنتها و يسارها و قوميوها و جماعاتها الإرهابية و  حدودها الممتدة و حساباتها الانتخابية  و عسكرها “الاتاتوركي” القوي .

فالسياسي الجيد والخبير بسياسته  يعلم تماما أن ما يحصده من نجاحات لا تعني بالنسبة له صافي المحصول ويعلم أيضا أن صافي محصوله هو ما يتبقى من بعد تذرية المكاسب من بقايا قش فعفوا سلطان ” عبد الحميد أردوغان” فحساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر و خيرها في غيرها .

سيريان تلغراف | أحمد النظيف – تونس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock