مقالات وآراء

“المعارضة الإرهابية” في سوريا تقتل وتحصد الخسائر

عندما اطلق شيخ سلفي فتواه بجواز قتل الثلث من اجل ان يحيا الثلثان في سورية ظن البعض بأن في الامر زلة لسان او خطأ في التعبير، لكن المتبع للفكر التكفيري المدعي انه يعمل باسم الاسلام، كان يعلم جيدا بان هذا «الشيخ» لم يكن لينطق الا بما تختزن به صدور اتباع هذا النهج من كراهية للاخر أياً كان الاخر، كراهية ترفض مجرد التعايش معه كيفما كان التعايش وان السلوك الصحيح برأيهم هو القتل والقتل وحده.‏

وعندما قررت اميركا مواجهة الاتحاد السوفياتي في افغانستان، واستحال عليها يومها ارسال الجيوش التقليدية حتى لا تكون في مواجهة مسلحة بين القطبين الدوليين انذاك، لجأت الى هذا الفكر التكفيري وشجعت من يؤمن به على الانتظام في ما سمي : بقاعدة الجهاد “ لقتال الشيوعيين في افغانستان، وقد عملت ما بات يسمى بالقاعدة باشراف مباشر من وكالة الاستخبارات الاميركية C.I.A.

واستطاعت ان تستقطب الكثير من الشبان المسلمين الذين تشربوا الفكر السلفي الوهابي واستفادوا من قدرات مادية كبرى متاحة، ومن احتضان دولة كبرى لهم بحجم اميركا.‏ وعندما قررت الولايات المتحدة الانتشار عسكريا في الشرق بعد ان تمكنت من هضم احتلالها للدول العربية على الشاطئ الجنوبي الغربي للخليج اثر حرب صدام حسين ضد الكويت، استعملت ما يسمى القاعدة لتنفيذ عملية 11ايلول 2001، العملية التي قيل فيها الكثير ولم تكشف حقيقتها حتى الان، (الا ما حاول كتاب ومتتبعون فرنسيون قوله بان العملية خدعة كبيرة نفذتها سي اي اي من اجل تبرير احتلال افغانستان في مسيرة ارساء النظام العالمي الجديد القائم على الاحادية القطبية لاميركا لان في هذا الاحتلال سداً امام الصين وروسيا وتماساً يهدد ايران وهي الدول التي تشكل عقبة امام السعي الاميركي).‏

وعندما هددت المقاومة العراقية بشكل جدي الاحتلال الاميركي للعراق، كانت «القاعدة» جاهزة للانتقام من الشعب العراقي ولتعمل هناك قتلاً وتدميراً في البلاد بحيث بلغ مجموع العمليات الانتحارية والارهابية التي اعترفت بها القاعدة ما يربو عن 360 عملية كبرى ذهب ضحيتها اكثر من 20.000 قتيل عراقي مدني بريء ومعهم ما يوازيهم او يزيد من الجرحى، وتبين ان القصد من العمل الارهابي هذا لم يكن مقاومة المحتل، لان هذه العمليات لم تستهدف مركزا اميركيا واحدا او دورية اميركية بل كانت تركز على الاسواق ودور العبادة ومقامات الائمة ومراكز الدولة العراقية الرسمية من مدنية وعسكرية. عمليات توجه بشكل خاص ضد طائفة بعينها من اجل حملها على ردة فعل مماثلة من اجل احداث الشرخ الطائفي الذي يقود الى تقسيم العراق وتفتيته كما خطط الاميركيون والصهاينة الذين يرون في العراق الموحد قوة تهدد مشروعهم الاحتلالي في الشرق الاوسط، خاصة بعد ان تيقنوا من صعوبة استمرار الاحتلال .‏

وعندما فشل الاميركيون في حمل العراقيين على القبول باتفاقية «الاحتلال المقنع» عبر تمديد ما يسمى «الاتفاقية الامنية» او منح الحصانة لاكثر من 15.000 جندي اميركي يبقون في العراق بعد الانسحاب، تصاعدت اعمال القاعدة في المدن العراقية في بغداد وسواها خاصة الاماكن الاهلة الشيعية لتقول للسلطة العراقية بانها عاجزة عن مسك الامن وعليها ان تقبل بالتمديد للاحتلال، والا فان عليها ان تواجه الانتقام تدميرا وقتلا للمدنيين وممتلكاتهم.‏ وعندما فشل المشروع الاميركو- صهيوني في سورية وعجز عن اسقاط النظام الرسمي العربي الوحيد الممانع والمقاوم لسياسة الهيمنة ومصادرة الحقوق العربية والاسلامية، توقعنا ان تلجأ اميركا الى استراتيجية الانتقام وهو نهجها ونهج الطغاة عادة عند الفشل على قاعدة “ لنا او للنار “ وكان من الطبيعي ان تلجأ اميركا في التنفيذ الى صنيعتها والاداة التي اعدت للاستعمال عند الطلب وعند الحاجة، ولهذا لم يكن مفاجئا للمتابع للازمة السورية ان يرى تقاطر مسلحي القاعدة الى سورية بصورة خاصة عبر تركيا ولبنان وعبر كل الحدود السورية بشكل عام، ولم يكن مفاجئا لاحد ان يهدد الظواهري بنقل «الجهد القاعدي الجهادي» الى سورية، كما لم يكن مفاجئا ان يضبط الامن اللبناني العشرات من المسلحين السلفيين وهم يستعدون للعبور الى سورية او ان يعلن بصراحة وزير الدفاع اللبناني ان عرسال البلدة اللبنانية انقلبت الى قاعدة تحشد وتحضير لمقاتلي القاعدة للعبور الى سورية.‏ لقد كانت كل المؤشرات تقود وبوضوح الى القول بان اميركا ستنتقم من سورية التي صمدت في وجه مخططها الشيطاني الاحتلالي، وانها ستتوجه الى معاقبة من امن صمود هذا النظام في الداخل اولاً وتحاول الاقتصاص ممن ساندوه في الخارج وفقا للمتاح لها ( كتبنا في هذا الموضوع منذ شهر تقريبا وقلنا ان اميركا تنتقل الى استراتيجية الانتقام لانها فشلت في سورية ).

وبعد ان تشددت في العقوبات ضد ايران وشجعت مظاهرات في روسيا بحجة الاعتراض على نتائج الانتخابات، ولفقت ملف اتهامات جديداً لحزب الله من باب تبييض اموال مزعوم، استدارت الى دمشق وارسلت رسالتها الدموية التي كانت قد حضرت لها منذ اسابيع بدعوة « المعارضة السورية » لعدم القاء السلاح، ومقاومة النظام تحت عنوان «الدفاع المشروع عن النفس».

رسالة حملها التكفيرون بصرف النظر عن التنظيم الذين ينضوون فيه، سواء كان القاعدة وهي الاداة الرئيسية لاميركا ام الحلفاء الجدد لاميركا من بعض خلايا الاخوان المسلمين الذين باتوا بعلم او من غير علم قيادتهم المحلية ينافسون الاخرين في اكتساب الثقة والرضى الاميركيين.‏ وفي الترجمة العملية للرسالة الدموية كان التفجير الانتحاري المزدوج في دمشق المستهدف لمراكز الامن والاعلام والناس الابرياء تفجير تنافست القاعدة والاخوان في المفاخرة بالمسؤولية عنه، ثم التراجع عن الاعلان لما تهيبوه من خسائر تلحق بهم فاعلنوا وتبرؤوا من اجل الاستفادة من «الايجابيات من السيد الاميركي» والتملص من السلبيات في اعين الشعب السوري وكل احرار العالم وشرفائه، لكن المتتبعين لم يكونوا بحاجة الى اعلان، ولا يعنيهم التبرؤ، بل ان اهتمامهم انصب اساسا على تكوين قناعات ترسخت لديهم وفي مجملها تفسر سلبيا ضد المشروع الغربي وادواته في سورية خاصة بعد ان تبين بوضوح :‏

– ان المخطط للمؤامرة على سورية بات مقتنعا بفشل مؤامرته، ومقتنعا بعدم جدوى تغيير الاستراتيجيات الهجومية لاسقاط النظام السوري الذي بات محصنا بشكل يستعصي على السقوط ودخل كعنصر اساس في معادلة اقليمية ودولية ثابتة ستقود الى نظام عالمي لن تكون فيه اميركا القطب الواحد.‏

– ان انتقام اميركا لفشلها جاء على يد من يدعي المعارضة والاصلاح في النظام السوري، وقد ادى الى اسقاط المجرمين المنفذين للجريمة من المعادلة السورية الداخلية حتى ومع التعددية السياسية والحزبية التي تحضر سورية نفسها لها. لأن الشعب السوري لن يغفر للقتلة والارهابيين المجرمين.‏

– ان الخواء لدى المعارضة المزعومة حملها على تلفيق اتهامات تضحك الثكلى، فنسجت من الاكاذيب ما لا يمكن لعاقل مبتدئ في العمل السياسي او متلمس للتحليل الاستراتيجي ان يتقبله. فشهدوا على انفسهم بالفجور الاعلامي والسخافة والسطحية السياسية.‏

– ان التقلب والتردد في تحمل المسؤولية عن الجريمة الارهابية اظهر مدى الارتباك في صفوف الجماعات التي تدعي الاسلام ثم تقتل عشوائيا وتصطدم بالقاعدة الشرعية «ان من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا» والكل يعلم ان اكثر من 75% من شهداء المجزرة الانتحارية كانوا من المدنيين الابرياء.‏

امين حطيط

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock