مقالات وآراء

لنقرأ التاريخ على إيقاع الأزمة السورية

بعد تسعة أشهر من بدء الأزمة السورية، وبعدما فشلت كلّ الأساليب للإطاحة بالنظام السوري المقاوم ومن ثَمّ تفتيت الخريطة السورية دويلات عرقية أو مذهبية ترسم الطريق لامبراطرية “إسرائيلية” تمتد “من الفرات إلى النيل”، وبعدما أثبتت المعارضة الخارجية هامشيّتها – حتى لا أقول تآمرها – في فهم البعد الحقيقي للنوايا “الإسرائيلية” والأميركية والأوروبية، وبعدما استطاع السوريون، قيادةً وشعباً، أن يعيدوا الحرب الباردة إلى الواجهة الدولية… بعد هذا كلّه لا بدّ من العودة إلى النقطة الأساس في كل ما جرى وما يجري في العالم العربي منذ بدايات القرن الماضي الذي دشّن حضوره بحدثين بارزين هما: معاهدة سايكس – بيكو، ووعد بلفور، ثم اٌستكملا بسلب لواء اسكندرون وإهدائه إلى تركيا.

لنقرأ التاريخ

سنة 1919 قدّم وايزمن إلى مؤتمر الصلح مذكّرة يطلب أن تكون حدود فلسطين واصلة في لبنان إلى قرب صور مع جبل الشيخ، وأن تكون واصلة في سورية إلى قرب درعا (لنضع درعا بين قوسين)، ومن هناك على محاذاة سكّة حديد الحجاز إلى العقبة. ويقول وايزمن في مذكّراته:

“… اجتزنا الحدود السورية إلى لبنان، وتوقّفنا في عدّة مواضع ونحن نرى المستعمرات النائية على الحدود، وكأنّ كلّ تلّة من التلال وصخرةٍ من الصخور، برزت تستنطقني في هذه اللحظات، وتوحي إليّ في كلّ ثنيّة من ثنايا الطريق ما علينا إنفاقه في هذه الأرض من عمل وجهد وتخطيط ومالٍ، قبل أن تصبح صالحة ليستوطنها العدد الكبير من اليهود”.

لم يبقَ كلام وايزمن في إطاره الإفتراضي، ففي منتصف آذار اجتاحت “إسرائيل” جنوب لبنان واحتلّت 1100 كيلو متر مربع من مساحته، وأقامت ” شريطها الحدودي “، وهجّرت 280 ألف جنوبي، وقتلت 1865 شخصاً معظمهم من المدنيين اللبنانيين، ومحت معالم سبع قرى، وتعرّضت 80 في المئة من المساحة الباقية لدمار كامل، وبلغت الخسائر المادية يومذاك المليار ليرة لبنانية.

وتكرّر المشهد ذاته في 1982 و 2006 في لبنان، وقبلهما الاعتداء الثلاثي على مصر (1956)، تبعته حرب حزيران ( 1967)، ومن دون الدخول في التفاصيل، كان الهدف دائماً احتلال المزيد من الأراضي، وتفريغها من معنى الدولة، لتحقيق النبوءة التوراتية في أن حدود “إسرائيل” هي من الفرات إلى النيل.

وعندما عجزت “إسرائيل” عن تحقيق أحلامها، لجأت اليوم إلى أسلوب آخر بالاتفاق مع حلفائها التقليديين وحلفاء إقليميين جدد، أسلوب يقوم على ضرب البنى العسكرية والاقتصادية والاجتماعية للدول الممانعة وعلى رأسها سورية. وهي ستفشل تماماً كما فشلت من قبل، لأن سورية هي نقطة الثقل في المعادلات الإقليمية والدولية، وهي لاعب أساسي في هذه الحرب الباردة التي تحضر بقوّة بعدما انتهينا، أو نكاد، من هيمنة القطب الواحد، والغطرسة الأميركية.

هذا الكلام يدخل ضمن لعبة الأمم، وهو كلام مقبول في لغة المصالح الدولية، والملعب مشرّع على مصراعيه لكل أجهزة المخابرات، ومن دون أي رادع أخلاقي. ولكن المدهش في هذه اللعبة أن “الصغار” يلعبون معهم ويضيعون بين أقدام الكبار! وغداً عندما تخرج سورية من أزمتها سيكتشف هؤلاء الصغار أنهم ليسوا أكثر من أقزام، وأن بعض الرجال “يولدون أذناباً، ومن العبث أن نجعلَ منهم رؤوساً” كما قال أحدهم ذات مرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock