مقالات وآراء

تعالوا نقرأ قليلاً ، بقلم رفيق نصر الله

ها هو بسمارك يصرخ: إقرأوا التاريخ أيها الأغبياء …

في وثائق “مؤتمر بال” ما يجب التوقف عنده لقراءة التاريخ، ونحن أكثر أعداء القراءة.  يتحدث تيودور هرتزل عن سورية التي يجب ان لا تظل كما هي، وعن الشعب اليهودي المسكين… .

يقول للسلطان عبد الحميد الثاني “ستدركون انه من مصلحة الأمبراطورية العثمانية ان تجتذب الموارد الإقتصادية اليهودية لحماية شعبنا المسكين، وانه لمن مصلحة اليهود ان يجدوا تركيا دولة قوية ومزدهرة…”. يضيف هرتزل “سوريا لا بد وأن لا تبقى كذلك”.

لعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قرأ هذا الكلام جيداً، كما اطلع على كل الوثائق المتعلقة بالرسائل المتبادلة بين عبد الحميد الثاني وهرتزل، ولقد رفض الأول الطموحات اللامحدودة للصهاينة في فلسطين، والثاني عمل على الإطاحة بعبد الحميد الثاني، وهو ما جرى فعلاً لأنه لم يفعل ذلك.

وها هي الوثائق الفرنسية وبعض الكتّاب الأوروبيين يكشفون النقاب عن ان كيفية وأبعاد إختيار الجنرال غورو ليقود الجيوش الفرنسية في الشرق وهو لم يكن مصادفة، بل ان منظمات صهيونية ذات جذور ماسونية هي التي لمّعت صورة الجنرال الذي سارع بعد قصفه دمشق وقتله للشهيد يوسف العظمه لأن يقف عند قبر صلاح الدين الأيوبي ليقول عبارته المشهورة (ها قد عدنا يا صلاح الدين)… .

في الوثائق التي بدأ بعض الباحثين الأوروبيين بالكشف عنها خارطة لسورية التي حملها غورو وهي التي رسمت كما تؤكد في مؤتمر بال لأن تكون هناك تسع سوريات وفلسطين خارجها.

الحركة الصهيونية التي سعت جاهدة أن يصل غورو الى الشرق كانت قد نجحت في ان تضع حداً للطموحات الفرنسية بعدم المساس بفلسطين، التي وُضعت تحت الإنتداب البريطاني، وكان وفق الوثائق على غورو ان يعمم الخارطة التي وضعت قبل ان تلفظ الدولة العثمانية، المريض، أنفاسها وتتوزع بين ست دويلات بعد فصل ما سمي شرق الأردن عنها وفلسطين. وضم أجزاء منها وهي البقاع والشمال لما كان يسمى جبل لبنان، والدويلات الست هي: دويلة دمشق وتوابعها، دويلة حلب وتتبع لها حمص وحماه، دويلة العلويين، دويلة الدروز ومركزها السويداء، ودويلة الأكراد، ودويلة عشائر الجزيرة ومركزها دير الزور.

غورو حمل معه الخارطة قبل وصوله الى الشرق، وكان ينظر اليها وهو في الطريق من لبنان الى العاصمة دمشق قبل معركة ميسلون.  وكادت الخارطة ان تثبت على الأرض لولا مواجهة يوسف العظمة الإستشهادية حتى لا تسقط دمشق لقمة سائغة بيد غورو. ثم الثورة التي إنطلقت شرارتها من قادة ينتمون لمناطق سورية مختلفة ولطوائف أريد لها ان تتوزع وفق الخارطة وهم سلطان باشا الأطرش الدرزي، وصالح العلي العلوي، وإبراهيم هنانو، وغيرهم من أبطال تلك المرحلة.

ووفق الوثائق المرفقة بالخارطة الممزقة كان يخطط للمسيحيين إما ان تنضم وادي النصارى الى جبل لبنان، كما طمح البعض في لبنان، أو ان يهجر هؤلاء الى لبنان الذي أريد له ان يكون بلداً مسيحي الطابع.

تقسيم سورية حلم راود الصهاينة منذ مؤتمر بال، لأنهم علموا انه لا يمكن ان تثبت دولة يهودية في فلسطين وسورية موحدة، وأنه لا بد من العودة الى تلك المشهدية التي كانت قائمة في المرحلة الأولى من الإحتلال الصليبي لفلسطين وبعض بلاد الشام، عندما ظهر ما سمي يومها بأتابكيات تولاها أمراء مسلمون راحوا يتنافسون على النفوذ مستعينين ببعض الصليبيين من اجل ضرب خصومهم على حساب تقديم مناطق مجانية لهم فتوزعت أتابكيات الكرك ودمشق وصور وصيدا وطرابلس وحلب وغيرها.

يراد لنا ان نعود للأتابكيات، وأن يحن البعض لتلك الخارطة التي حملها غورو لأن إستمرار سوريا على ما هي عليه انما سيحول دون تثبيت يهودية الدولة.  ولعل توقيت قيام “الكنيست الإسرائيلي” بالبحث في إقتراح إعلان القدس عاصمة لكل يهود العالم، وفي هذا الزمن العربي التي تنهار فيه المنظومة العربية ما يتقاطع والقناعة بأن ما تعيشه بلدان عربية ومنها سوريا، ما هو إلا جزء من مخطط له جذوره التاريخية ومعطياته الراهنة التي دفعت بقوى مرتبطة بالعالم العربي لأن تكون في خدمة هذا المشروع الذي عبر من خلال إثارة الفتن والعرقيات، ودفع بدول تمتلك ثروات، ها هي اليوم توظف لخدمة هذا المشروع.

الآن يكتشف البعض لماذا كانت (الجزيرة)، ولماذا نشأت بعد كتاب شيمون بيريز (نحو شرق أوسط جديد)، ولماذا ظهر يوسف القرضاوي وفتاويه فاتحاً الباب أمام رجال دين متلفزين وجدوا لإنتاج الفتاوى، الآن نعلم لماذا كان برنامج (الشريعة والحياة)، لماذا (الإتجاه المعاكس)، ومن هم الذين تحولوا الى أدوات في (الميديا) التي أوجدها المحافظون الجدد.

ليس تفتيت سوريا هو من إنتاج أيلول/سبتمبر عام 2011، بالرغم من انه شكل مقدمة لتنفيذ ما هو معد، إنما هو مسعى ظل يراود قوى عديدة من اجل تفتيت المنطقة خدمة “للإسرائيلي” الذي يبتسم في هذه المرحلة أمام الإنهيارات العربية التي يراها في مصر وسوريا والعراق وليبيا وتونس والسودان.

يرى بعض العرب وهم (يخوضون) حرباً كاملة ضد سوريا والمقاومة، ويرى إيران التي رفعت علم فلسطين تدفع ثمن حصار مستمر منذ ثلاثين عاماً.  ألم يبتسم بن غوريون وهو يردد “ان روح “إسرائيل” تكمن في الشمال، وهذا الشمال سنظل نسعى أن لا يبقى كذلك”.  عندما سئل جمال عبد الناصر بعد توقيع “الوحدة مع سورية”، هل تتوقع نجاح هذه الوحدة؟ قال “المهم عندي ان تبقى سورية على منعتها وقوتها”. ويضيف “إقرأوا التاريخ، ما انتصر العرب إلا بالمعارك التي خاضها المصريون والسوريون، وما خسر العرب إلا عندما كنا نقاتل كل على حدة”.  وخلال الندوة المغلقة التي عقدها هنري كيسنجر في باريس، لكافة سفراء الولايات المتحدة الأميركية عام 1974، تحدث الأب الروحي للمحافظين الجدد، كسينجر، عن “حتمية الشظايا التي يجب ان تحكم هذا الشرق”. ويضيف ايضاً “علينا ان ندخل العرب في حرب سنية – شيعية وإسلامية – مسيحية، وعرقية عربية وغير عربية، ولو طالت لخمسن عاماً”.

جاء كلام كسينجر رداً على خطوة العرب بقطع النفط، ولو لأيام عن الغرب خلال حرب عام 1973، وها هي الشظايا تتوزع في الخرائط العربية وتغتال حتى ما بقي من منظومة كانت قائمة ولو فلكلورياً لصالح الفوضى الكاملة الأوصاف التي سيصعب الخروج منها.  في تونس لا يريد أحد من السلطويين الجدد ان يتحدث عن فلسطين، وفي ليبيا تتوزع الشلل المسلحة في المدن والصحارى ولا وقت لفلسطين، وفي مصر، وفي آخر إنتاجات الحركات السلفية، قرار إستراتيجي يمنع الغناء في المطاعم والمقاهي ووقف (نشاط) شرم الشيخ السياحي، وتعهد بالحفاظ على كامب ديفيد وسعر الغاز، وأمن السفارة الإسرائيلية!… .

وفي سوريا يبشرنا (العرعور) وأتباعه بأنهم سيمزقون لحوم البشر ويطعمونها للكلاب، وفي مدن لبنانية يخرج أصحاب جلاليب بيضاء بالليل يدعون الله لإعادة إحياء الخلافة، فيما تتكفل السيارات المفخخة والإنتحاريون البلهاء الموعودون بالجنة إنتاج أجود أنواع الموت. في وقت يهدد فيه نائب الرئيس العراقي (المتهم) بأنه سيطالب بأقليم سني.  سيرتاح هرتزل في قبره، لقد تكفل القرضاوي عنه بإصدار فتوى انه لا مانع من ان يقتل ثلث الشعب السوري إذا كان هذا يؤدي الى راحة الثلثين، فيما تصدر فتوى في السعودية تحرّم التظاهر ضد ولي الأمر، حتى وإن كان ظالماً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock