مقالات وآراء

هكذا إقترن مصطلح المعارضة بمفهوم الخيانة في سورية

يجلس الطفل أحمد في باحة مدرسته يجهش في البكاء وعندما يسأله أحدهم لماذا تبكي يجيب على الفور لقد رفض الأولاد اللعب معي لأن والدي معارض وهم ينعتونه بالعميل والخائن لسورية…

البكاء لدى أحمد أصبح واحداً من مفردات حياته اليومية لدى ذهابه إلى المدرسة وهو لا يستطيع التخلص منه إلا أيام العطلة، أو إذا كان مريضاً وعلى حد قول والدته: أن ابنها فكر ملياً بالتخلي عن مدرسته لأنه لم يعد يطيق الذهاب إلى مدرسة يوصف فيها أبوه بأنه خائن وعميل لأنه معارض….

مشكلة أحمد دفعتنا للسؤال فيما إذا كان يتحرك داخل كل إنسان سوري اليوم “مونولوج” داخلي حول أزمة المواطنة السورية وحول مفهوم الانتماء للوطن باتساع رقعته الجغرافية وهويته وإرثه الحضاريين إذ ما أكثر الكلمات  التي تتناثر هنا وهناك حول هذه المفاهيم إضافة على العبارات الرنانة التي أصبح كل مواطن سوري (مهما كبر أو صغر عمره ) يرددها على مسامع الآخرين مثل: مُندس، عميل، خائن.. وغيرها… لتطرح تساؤلات كثيرة حول مفهوم الخيانة والأمانة وحب الوطن.

تقول أم أحمد إن زوجها المعارض نُبذ من الحي بأكمله لمجرد أنه تفوه بكلمات ضد النظام ورغم أنه لم يسب أو يشتم كما يفعل البعض وكل كلامه كان هادئاً غير أن هذا الكلام كان كافياً لإخراجه من المجلس الذي كان فيه، إضافة إلى نبذه من قبل عائلات الحي بأكملها…

ولم يكتف بذلك بل رفضوا كذلك بيعه ما يحتاج اليه من سلع يطلبها من محلات الحي، وهنا تتساءل أم أحمد هل مفهوم المعارضة الشريفة يلغي مفهوم المواطنة لدى السوريين؟، ولماذا لا يبحث الجميع عن حل للخروج من هذه الحالة المستعصية بدلاً من تخوين بعضهم البعض لمجرد أن يتكلم أحدهم بكلمة حتى ولو كانت صحيحة؟؟..

بدوره يقول علي وهو عم أحمد: لقد أصبت بالإحباط عندما سمعت كلمة معارض تطلق على أخي وأحسست بأنها تهمة ملقاة عليه، بل تطاول الكثيرون في اتهامهم إياه بالجبن والعمالة، وهذا يدل على حالة قصور في فهم مدلول كلمة “معارض” لتأخذ بعداً سلبياً اتهامياً يتهافت البعض في  إطلاقه على بعضهم، مزاحاً أو جداً، وتوازيها ألفاظ أكثر اتهامية مثل مندس وعميل وخائن.. ويسأل: أليس من يقوم برشوة موظفي الدولة وسرقة ونهب ممتلكاتها يعد خائناً؟؟

تسخر الطالبة هدى ( 23 عاماً) من كلمة “معارض” ومدلولها السلبي، قائلة: إنه ليس بالضرورة أن يكون المعارض أحد المخربين، ولا أحد الخونة بل هو شخص يرى الأمور بطريقة أكثر ديناميكية, يراها بدون تعقيدات يصطنعها الروتين البيروقراطي، ولكن الإرهابيون في بلدنا حولوا تلك الكلمة إلى مصطلح سلبي حتى أصبحنا نتصور أن كل معارض يحمل سلاحاً ويصوبه تجاه الموالين للنظام، وهكذا أصبحت الألفاظ تطلق جزافاً والحقيقة أن هذه الكلمات أحدثت شرخاً كبيراً بين المواطنين السوريين وعملية تطبيقهم لها.

ويقول زميلها سموءل إننا نجد في بعض الدول المتقدمة  أحزاب معارضة تقف موقف الند وتشكل “حكومات الظل” تكون مهمتها الأساسية أن تراقب وتلاحظ أداء الحكومات التي تصل لسدة القرار عن طريق انتخابات حرة, وبهذا نجد أن هذا الحراك يفيد الوطن, ويشكل رقيباً ملاصقاً للأنظمة بشكل متواتر ويضمن حراكاً ايجابياً صحيح الاتجاه، بينما المعارضة في وطننا باتت تفهم على أنها موجودة للتخريب والقتل وسفك الدماء، وهذا ليس ذنب المواطنين بل ذنب بعض المعارضين الذين صوروا على أن الأمور لا يمكن أن تحل إلا عن طريق السلاح، وبهذا بات واضحاً للجميع أن المعارض يمكن أن يؤذي أي شخص لا يشاركه الرؤى والتصورات حول واقع الأمور.

بدوره المهندس بشار يقول “إنه لا يمكننا تفصيل الوطنية واختصارها بولاء المواطن لحكومته بل بولاء الحكومة ككل للبلد الذي تنتمي إليه، وما تقدمه من خدمات وحل للمشاكل حيث يجب عليها  أن تعبر عن واقع الشارع الذي خرجت منه, ملبية لطموحاته, وداعية لرفعته بين الأمم…

بهذه الأمور يتحقق مفهوم المواطنة الشريفة على أصوله لا كما يريد المخربون الذين يعيثون فساداً في مجتمعاتهم”.

تبكي الدكتورة إنصاف وتتألم كثيراً أثناء عندما تروي لنا كيف أن ولدها الوحيد ذهب ضحية من سموا أنفسهم بالمعارضة وتتساءل هل يمكن تسمية المعارضة بأنها شريفة ووطنية وهي تلوح باستخدام السلاح أو تستخدمه فعلاً؟، أو تلك التي تقوم برفع شعارات الطائفية والمحاصصة بالمناصب ولا تلك التي تستظل بإذكاء التنافر بين مكونات الشعب السوري المتنوع الأصول والأعراق..

لقد حوّلت هذه المعارضة “القذرة” سورية إلى حمام دم ومستنقع لتصفية الأحقاد الخفية والعصبيات المتراكمة منذ عقود..

من جهته يفكر الأب أحمد كثيراً قبل إجابته على أي سؤال ويجيب مستذكراً أن ولده قتل لأنه كان يدافع عن الوطن حيث تم ذبحه أمام بيته، ولكنه قال: إنه لا يجب ومن هذا الباب أن يتم إلصاق كل التهم الدنيئة والقبيحة  بالمعارضة حين تطلب أن يستجاب لمطالب عادلة ومحقة، ولا يجب إلقاء اللوم على المعارضة وحدها لأن هناك مجرمين يسرحون ويمرحون في البلد ويلصقون التهمة بالمعارضة.

من جانب آخر يقول المواطن ماهر “إنه يطبق المعادلة التي باتت تتردد كثيراً أنا شبيح.. إذاً أنا موجود حيث يعتبر نفسه فوق أي قانون وفوق المحاسبة، حيث أنه  فوضوي النزعة، يميل لاستخدام قبضته قبل إحكام عقله…

ويضيف ماهر: أنا لا أعبأ بأي قانون طالما أن سلاحه يرافقه حتى في نومه، وهو يحب  أن يقلد شخصية إيجابية هي شخصية “قبضاي الحارة”  التي تمثل دور البطولة في المجتمعات, حيث ينصر الفقراء والمستضعفين حين لا يتمكن القانون من فرض هيبته بين المواطنين..

الحال نفسه مع جعفر صديق ماهر الذي يقول: إنه لن يتوانى عن حمل السلاح ضد الدولة نفسها إذا عجزت عن تحقيق مطالبه ورغباته وحجته في ذلك أن الدولة لطالما أخفتت أصوات من كانوا يطالبون مطالب عادلة فالبلطجة هنا هي أشبه بحالة أبكم عادت إليه نعمة الكلام والإفصاح فصوته العال سبقته ليال طويلة من السكوت والسكون وعلى عناصر السلطة الذين قاموا بممارسة هذا العنف لذا فالسلاح خير وسيلة لتحقيق المطالب”..

يهزأ خالد لدى سؤاله عن مفهوم المواطنة والولاء للوطن ويقول المواطنة الحقيقية هي ان يحصل كل فرد في هذا المجتمع على حقوقه كاملة دون أي نقصان، وإذا لم يحصل عليها فعليه أن يحصّلها بنفسه ولو عن طريق السلاح غير آبه بالقوانين والأعراف السائدة في مجتمعه…

وما بين معارضة النظام ومناصرته يأخذ مفهوم المواطنة أشكالاً متعددة ويأخذ تطبيقها أيضاً أشكالاً كثيرة يزيد بعضها من حجم الاضطرابات ويوسعها ويصعد حالة الغليان والفوران التي يعيشها أفراد المجتمع لتضيف أبعاداً أخرى لحالتنا الراهنة التي يلزمها الحوار ومد جسور الثقة لردم هذا الشرخ المتنامي في أبعاده وعمقه بعيداً عن حالة الفوضى والفلتان.

سامي زرقة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock