مقالات وآراء

التاريخ لن يغفر لك يا بشار .. بقلم د. عمر ظاهر

رحمة الله على روح معلمنا الكبير علي الوردي. كان مِن بين مَن تركوا أثرا عميقا في وعي أجيال منا للمجتمع وفي فهمنا للتاريخ، خاصة بكتابيه الكلاسيكيين “وعاظ السلاطين” و”مهزلة العقل البشري” اللذين يعدان مصدرين غنيين بالتحليل التاريخي والمجتمعي الرصين والممتع. لقد أغنى وعينا وفهمنا، ولكن فاته أن يقول لنا شيئا واحدا .. إن وعاظ السلاطين عائدون والمهزلة تتواصل.

يوم أمس، وأنا أعيش في لجة الصدمة لمشاهدة طفل يُدرَّب على قطع رؤوس البشر، وقع نظري على الكتاب الأخير في مكتبتي، ودفعتني الذكرى إلى تصفحه، وبعد حسرات على ذلك الزمن المشرق، زمن علي الوردي، استوقفتني خاتمة المؤلف للكتاب مؤرخة بخط يده في الأول من نيسان عام 1956! تاريخ يرتبط مباشرة في أذهان جيلي بالقائد الخالد جمال عبد الناصر، وبمعركة شعب مصر في تأميم قناة السويس. مجد يذكّر بمجد. ولا أعرف كيف ينبغي لي أن أفهم هذه المصادفة في أني بعد قليل من ذلك استلمت رسالة إلكترونية من إحدى طالباتي، تعطيني رابطا إلى فيديو يدور حول علاقة الإخوان المسلمين بالحركة الماسونية. الفيديو يستغرق أكثر من ساعتين، فلم أجد من الوقت إلا ما يتيح لي رؤية مقاطع منه. وهناك، رأيت مرة أخرى عبدالناصر، يتكلم بصراحة عن الإخوان المسلمين، وكيف أنهم كانوا يتصلون بالبريطانيين سرا، بينما الشعب المصري يخوض حرب مقاومة العدواني الثلاثي.

لن ألخص هنا ما يقوله علي الوردي عن كيفية تزييف تاريخنا، وتزييف الإسلام، فالكتاب متاح للجميع. ولكن الإسلام، بلا شك، وصل إلينا، بعد مروره بتفاعلات كيمياوية مع أفكار ونزعات من أغرب ما يكون على أيدي سلسلة طويلة من الحركات المشابهة لحركة الإخوان المسلمين عبر التاريخ، وهو ليس إلا خليطا من أفكار ونزعات قد تكون الماسونية مجرد عنصر بسيط من عناصره التي لا تعد ولا تُحصى.

حين تُذكر الحركة الماسونية لا يتبادر إلى ذهني غير ذكرى رجل تقي في غاية التقى، والنقى، كان خطيبا في جامع صغير. كان تُقاه لا يُجارى بحيث أنه حجّ إلى بيت الله الحرام تسع عشرة مرة متتالية. وتعليل تذكري إياه هو أني كنت أسمع، وأنا صبي صغير، أن الخطيب الذي صار مريدوه يلقبونه بالشيخ، كان يسافر إلى السعودية كل سنة بدعوى الحج، لكنه في الحقيقة كان يذهب للقاء شخص إسمه محمد محمود الصوّاف، ويتلقى منه التوجيهات والتعليمات لأنه يرأس مجموعة من الإخوان المسلمين. والشيء المهم في هذا أن الشيخ الجليل إنتهى عام 1968 أو 1969 بسكتة قلبية. يومها كان نظام البكر/صدام يصفّي خصومه بإعدامهم بمختلف التهم، وفي فترة ما دارت الدائرة على البعض بتهمة الإنتماء إلى الماسونية. في تلك الأيام بالذات أصيب الشيخ الجليل بسكتة قلبه الإخواني المليء بالحقد على البشرية، فقيل عنه بين من عرفوه إن إصابته بالسكتة جاءت نتيجة الخوف الشديد لأنه شعر بأن الحبل يقترب من رقبته، فالإخوان المسلمون هم جماعة ماسونية، والشيخ عنصر فعال في الحركة يأتي في المرتبة مباشرة بعد الصواف نفسه. رحم الله الموتى! تُرى من كان يتقدم الصواف في المرتبة؟ لا بد أنه من كان الصواف يستظل بكرمه في مكة المكرمة. والله أعلم! فالحديث عن علاقة الإخوان المسلمين بالماسونية ليس شيئا جديدا بدأ يوم اغتصبوا السلطة في مصر، بل قد يكون بدأ يوم بدأت حركة الإخوان أو حتى قبل ذلك اليوم.

على أية حال، فسيان عندنا أن تكون حركة الإخوان المسلمين جزء من الحركة الماسونية أو لا تكون. هذا لا يغير شيئا من واقع أن حركة الإخوان المسلمين حركة معاكسة لتيار الحياة، وفي أنها تدور حول نفسها خارج حركة المجتمع الإنساني لأن حركة التاريخ قد لفظتها. إنها ليست أكثر من مفرخة للإرهابيين، مرتبطة في الحقيقة بمن هم أسوأ من الماسونية.

علي الوردي شرح لنا الصراعات في الإسلام بعد موت الرسول الكريم وحللها بطريقة عبقرية، لكننا كنا نعتبر تحليلاته  الممتعة مجرد وجهة نظر. وعبدالناصر وغيره أخبرونا الكثير عن المعدن الرديء لهذه الحركة، وقصوا علينا، وشرحوا لنا، وحذرونا. ولكن لا شيء يعلّم الإنسان، ويفتح عينيه على حقائق التاريخ والحاضر مثل التجربة. وتجربة هذا الجيل الجديد، وجيلنا أيضا، مع الإخوان المسلمين، وغيرهم على مدى السنوات القليلة الماضية، بدءً من الجهاد غير المقدس ضد حكم الشعب في أفغانستان، وصولا إلى الجهاد العفن ضد العلمانية والدولة والشعب في سورية، هذه التجربة تغنينا عن كل كتب العالم، وعن كل ما قيل وما لم يُقل.

إن الشرق الإسلامي يعيش حالة انتشار وباء تتضاءل إلى جانبه خطورة الطاعون الأسود الذي عصف بالناس هنا وهناك على مر العصور، وقضى على ملايين البشر. هذا الوباء سيخلف هذه المرة من الضحايا أكثر من مليار إنسان إن لم يتم إيقافه ومحق جراثيمه. وهذا الوباء متواصل في الحقيقة من زمن طويل دون أن نشعر به، لأن حدته تخف أحيانا، ثم تشتد أحيانا، ونحن الآن نشهد واحدة من أعتى موجات الطاعون التي اجتاحتنا تحت مسمى “الإسلام”! إنه ليس إسلام محمد بن عبدالله، بل إسلام محمد بن عبدالوهاب، الماسوني رقم واحد في العالم الإسلامي.

أي إسلام هذا؟ أي دين هذا؟ أية آدمية هذه؟ إذا كان هذا هو الإسلام في طور المعارضة و”الثورة”، فبماذا يعدنا حين يكون هو “السلطةَ” نفسها؟

مشهد الطفل الذي يجري تدريبه على قطع الرؤوس البشرية في سورية في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين نداءٌ إلى كل البشرية المتحضرة للإتحاد لمواجهة هذه الهمجية، لأن ما يجري في سورية لم يعد صراعا بين جماعات وجيوش ودول .. إنها الحرب الفاصلة بين الحضارة والهمجية، الهمجية القادمة من صحراء جزيرة العرب، المتعطشة لإسالة أنهار من دماء الأسرى والأبرياء.

وأهل صحراء جزيرة العرب ينبغي لهم أن يسمعوا جيدا، ويعوا أن هذا الوباء الذي ينطلق من صحرائهم سيعود إليهم. قد يكون الأبرياء في العراق وسورية وليبيا عاجزين عن الرد إزاء شراسة الهجمة الوحشية، ومداها، إذ يمدها بالمال والسلاح وبكل أنواع الدعم كل الهاربين من مزابل التاريخ، ولكن سيأتي على أهل الجزيرة يوم لا ينفع فيه لا محمد بن عبدالوهاب ولا أموال النفط والغاز. إن مصيرهم أن أسيادهم وأسياد الإخوان سينقلبون عليهم بعد حين، وستحصل إبادتهم ليس بقطع الرؤوس وبالرصاص، بل بالمبيدات الحشرية. وعندها لن نتحدث عنهم بروح التشفي، بل سنقول عنهم إنهم لو كانوا يؤمنون بما أنزل على محمد بن عبدالله، لكان عليهم أن يعرفوا مصيرهم، فهُم قرية أمر الله مترفيها فهم يفسدون في الأرض، والتدمير آتٍ بإذن الله.

وكلمة للرئيس بشار الأسد، الرجل المسؤول أمام الله والتاريخ عن حياة كل سوري. يا بشار إن التاريخ لن يغفر لك، وعسى أن لا يغفر الله لك إذا خرج أحد من هؤلاء الضباع من سورية سالما. إنهم معتدون، ولصوص، وقتلة مجرمون، وجزاء المعتدي القصاص العادل. من حقك أن تحمي بلدك وشعبك بكل وسيلة .. وتذكّر أنك وسورية سدّ أمام سيل الهمجية الصحراوية! كل شرفاء العالم المتحضر معك ومع سورية.

د. عمر ظاهر

(المقالة تعبر عن راي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock